آخر الأخبار

جاري التحميل ...

روح القدس فى مناصحة النفس



قلتُ لها : نعم هذا الذي بشرت غير ما مرة أنك في مقامه، أبو بكر الصديق رضي الله عنه، روينا بالسند الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه، خرج حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر يكلم الناس فقال : اجلس يا عمر، فأبى عمر أن يجلس، فقال : اجلس يا عمر، فتشَهَّد أبو بكر ثم قال : أما بعد فمن كان يعبد محمدا صلى الله عليه وسلم فإن محمدا قد مات، ومن كان منكم يعبد الله عز وجل فإن الله حي لا يموت، ثم تلا قوله تعالى : {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ ۚ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنقَلَبْتُمْ عَلَىٰٓ أَعْقَٰبِكُمْ}[آل عمران-144] فسكن جأشهم بالقرآن وهو لم يزل ساكن القلب مع الرحمن، ناشدتك الله يا نفس : هل حصلت بالسر الذي تدعي أنه قد حصل لك من الحق حالا ومقاما من تعظيم الله ما علمت به تعظيم من عظّمه الله من جهة تعظيم الله إياه ؟ ثم وفيته حقه في ذلك بكل شيء هالك إلا وجهه " من غير أن تسقطي باستيلاء سلطان عظمة الله من قلبك عظمة خير العالمين إلى من دونه من أهل التعظيم مقاما مستصحبا ؟ قالت : لا والله يا وليي؛ إنما أنا بين فناء وبقاء، وتلاش وانتعاش، وإقبال وإدبار، ووصول ورجوع، وما كنت فهمت قط هذا من هذا الكلام الذي خرج من فم الصديق حتى نبهتني عليه، ولا سمعته من أحد أشياخنا ولا رأيته، على أن لنا بحثا وأسرارا في الصحابة وتعظيمهم، ومكانتهم وما سُبقت إليها، ولا رأيت أحدا ممن لقيته من أصحابنا عثر على ذلك، لا لأنهم يجمحون عليه ويحومون حوله، ولم يجدوا لتحصيله منفذا، وإنما هو وهب إلاهي، لا يوصل إليه بعمل، وهم يطلبون بالاستعداد والمجاهدة. ثم قالت : انتقل بي عن هذا المقام قد قصم ظهري.

قلتُ لها : نعم هذا سلمان الفارسي رضي الله عنه دونك في النسب الطيني، وإمامك في النسب الديني، روينا بالسند المتصل عن رجل من أشجع قال : سمع الناس بالمدائن أن سلمان كان في المسجد، فأتوه فجعلوا يثوبون إليه، حتى اجتمع إليه نحو من الألف، قال : فقام فجعل يقول : اجلسوا اجلسوا، فلما جلسوا، افتتح سورة يوسف يقرؤها،قال : فجعلوا يتصدعون ويذهبون، حتى بقي نحو من مائة فغضب وقال : "الزخرف من القول أردتم ! قرأت عليكم كتاب الله فذهبتم".

ناشدتك الله يا نفس فهذا مجلس حق فاصدقيني هل سمعت قط كتاب الله يتلا فلم تهتزي، فلما أنشد شعرا اهتززت، وجننت وأخذك الحال ؟ فقالت : والله ذلك ديدني، ودأبي أبدا، وأزيدك، والله ما هو أنحس من هذا مما أنا عليه أني أقرأ القرآن ويدركني العياء وأقول لك، والله لا أقدر على شيء، وقد ضعفت، وكلَّ خاطري، فتجيبني إلى ذلك، وتترك المصحف من يدك، والتلاوة من لسانك، فما تلبث أن نبهتك على مقطوعة من كلامك، أو كلام غيرك، في أي فن كانت، فتفتح فاك بها وتنشدها، وتترنم فيها، وترتلها مترسلا على طريقة تستحسنها، نشيطا طيب النفس، ما بك من كسل ولا عياء، فلو كان ذلك الكسل والعياء حقيقة مني لاستصحبك، وإنما ثقل عليَّ القرآن، وكنت أجعلك في تلاوته تحدر ولا ترتل عسى تستريح، وكذلك في أوراد العبادات التي يستحب التثبت فيها، وذلك كله خذيعة مني بك. أترى هكذا حالة المؤمن! لا، والله، بل كلام الله للمؤمن ألذّ وأشوق إلى سماعه من الظمآن للماء الزلال، فإنا لله وإنا إليه راجعون على نقص الإيمان، بل والله على ذهابه. يا شؤم نفسي! ويا حسرتي! ويا أسفي! كم مرة والله سمعت آية من كلام الله فثقلت عليّ ومحجتها، وكم والله رنة شعر سمعتها فاسعذبتها، أخاف والله يا وليي على نفسي وعلى من هو مثلي أن ينقل اسمه من ديوان المؤمنين إلى ديوان من قال فيهم الحق جل وعلا : {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ۖ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}( الزمر-45 ) وقد اتصفت بهذا، يقول القوال زخرف القول وغروره فأهتز وأقوم، وأقول شاباش هذا والله حسن، فأقسم بالله كاذبا، ولا يزال الملعون من شيطان يرقصني كما يفعل صاحب القرد بقرده، فإذا أخذ حاجته مني صفعني صفعة فأضجعني، فيقوم من قل فلاحه مثلي فيغطيني برداء حتى يخلي سبيلي، وأقوم وأهني وقد عزاني الملأ الأعلى في ديني وفي ما مضى من عقلي، فإذا كان آخر الليل أنام والجماعة السوء مثلي وقد تعبنا من كثرة ما رقصنا فلا نلحق ننام إلا والصبح قد قام، فنقوم نتوضأ أقل ما ينطلق عليه اسم الوضوء، ثم نجيئ إلى المسجد، هذا إذا وفقت، وإلا فالأغلب علي من هذه حالته أن يصلي في داره بإنا أعطيناك الكوثر وسورة الفاتحة كيف ما كانت، والقنوت ليس بواجب فأتركه، وأنقرها مخففة جداً ثم أضطجع إلى وقت الضحى لأستريح، هيهات والله ما كانت طريق الله هكذا، وإن كنت موفقاً أكثر من غيري توضأت وخرجت إلى المسجد، وإذا دخلت فيقال لي: قد صلى الناس فلا أجد لذلك حزنا، ولا أكترث، بل أقيم الصلاة وأصلي وأخرج وكأنه ما فاتني شيء، لاهي القلب، مسروراً، وأقول بلسان الحال : قد حصل لي أجر الجماعة بقصدي وأراحني من تطويل الإمام، وإن أدركت الصلاة مع الامام فأنا في تلك الصلاة على أحد وجهين: إذا كنت مستريح القلب من كل شيء إما حاضر في ليلتي البارحة وحسنها، وما كان أحسن ذلك القوال وشعره وأقضي صلاتي كلها في هذا حتى لا أدري ما صلى الإمام ولا بما صلى، وإنما رأيت الناس يفعلون شيئاً ففعلت مثلهم، ركعوا فركعت، وسجدوا فسجدت، ووقفوا ووقفت، وجلسوا فجلست، أو يكون النوم قد أخذ مني وهي الحالة الثانية فأترقب عند ذلك فراغ الإمام، وتثقل علي القراءة، وأغتاب الإمام في نفسي وأمقته، وأقول ما أثقله، قد افتتح سورة الحشر أو الواقعة هلا كان قنع بالانفطار والفجر، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالتخفيف وهذا خلاف السنة، ونحوقل ونهلل كل ذلك لغير الله، ما تستحيي يانفس من الله، وقد وقعت البارحة مسخرة للشيطان وملعبة له، ورقبتك مصفعة له، وناصيتك بيده وأنت هذا كله تلتذين، ثم الداهية العظمى، والطامة الكبرى، والداء العضال،والمصيبة الآزفة التي ليس لها من دون الله كاشفة، أني أقول في تلك الحالة كلها : إني كنت مع الله، وفي الله، وبالله قمت، وفي الله شطحت، وإلى الله وصلت، وقلت لله، وقال لي الله، ويعتب أولئك الأغمار الجهال مثله فيقول : لمَ لم تسألون إذا رجعت من حالي، ولو سئل لافتضح، ولو فرضتَ أنه أجاب، فقد يجيب الكاذب عما يسأل عنه مثل هذا، ويؤيده الشيطان بخيالات ينصبها له، ويبديها في سره فيعبر عنها، قال الله تعالى:{وإنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إلى أوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكم وإنْ أطَعْتُمُوهم إنَّكم لَمُشْرِكُونَ}[الأنعام-121] . فهذا ولي الشيطان ينطق بلسانه وهو مطيع له فانتظم في أهل الشرك،فناهيك من من مجلس يحوي أو يضم المشركين وأولياء الشياطين {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ}.[الأعراف-196]

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية