تميز الصوفية طوال تاريخهم بأخلاقيات انفردوا بها عن غيرهم وخصوا أنفسهم بها دون سواهم، بجانب الاخلاقيات الاسلامية العامة التى ينبغى أن يتحلى بها كل مسلم انطلاقا من حديث النبى صلى الله عليه وسلم «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» ولذلك عرف الصوفى بالأخلاق، ومن زادك فى الخلق والصفاء زادك فى التصوف.
والتصوف فى مفهومه الصحيح كما بينه أئمته منهج سلوكى تربوى قائم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبه تتم مكارم الأخلاق ويتم كمال الأدب، وبه تدرك الفتوحات الربانية والأنوار المحمدية.
وللتصوف الاسلامى تعريفات كثيرة كلها ترجع الى معنى واحد هو الاحسان والخلق والتقوى وطلب الكمال، وفى هذا المعنى يقول الإمام الغزالي، إنى علمت يقينا أن الصوفيةهم السالكون لطريق الله خاصة، وأن مسيرتهم أحسن السير وطريقهم أصوب الطرق، وأخلاقهم أزكى الأخلاق.
ويرجع الكثير من الباحثين أصل تسمية التصوف فيقولون سميت الصوفية صوفية لصفاء أسرارها ونقاء آثارها وهم فى هذا يردون التسمية إلى الصفاء.
وسئل الجنيد بن محمد البغدادى عن التصوف فقال "اسم جامع لعشرة معان".
الأول: التقلل من كل شئ من الدنيا عن التكاثر فيها.
الثاني: اعتماد القلب على الله من السكون إلى الأسباب.
الثالث: الرغبة فى الطاعات من التطوع فى وجود العوافى.
الرابع: الصبر على فقد الدنيا عن الخروج إلى المسألة والشكوى.
الخامس: التمييز فى الأخذعند وجود الشئ.
السابع: الشغل بالله عز وجل عن سائر الأشياء.
الثامن: تحقيق الإخلاص فى دخول الوسوسة.
التاسع: اليقين فى دخول الشك.
العاشر: السكون إلى الله من الاضطراب والوحشة.
فإذا استجمع هذه الخصال ـ أى الصوفى استحق بها الاسم وإلا فهو كاذب.
ويسرد الذين كتبوا فى التصوف الكثير من أخلاق الصوفية مثل التواضع.
والإيثار والمواساة ويحملهم على ذلك فرط الشفقة والرحمة وقوة اليقين وفى هذا المعنى نزلت الآية «ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة».
ومن أخلاقهم التجاوز والعفو ومقابلة السيئة بالحسنة، وقد روى عن أنس رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه واله وسلم أنه قال: «رأيت قصورا مشرفة على الجنة فقلت يا جبريل لمن هذه؟ قال للكاظمين الغيظ والعافين عن الناس».
ومن أخلاقهم البشر وطلاقة الوجه، فالصوفى بكاؤه فى خلوته وطلاقة وجهه مع الناس، وقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم : «كل معروف صدقة وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق».
ومن أخلاقهم التودد والتآلف والموافقة مع الإخوان وترك المخالفة قال عليه الصلاة والسلام. «المؤمن يألف ويؤلف،ولا خير فيمن لا يألف ولايؤلف».
ومن أخلاقهم رضى الله عنهم غيرتهم لله تعالي: إذا انتهكت حرماته نصرة للشريعة المطهرة فكانوا لا يفعلون فعلا يحبون أحدا ولا يبغضونه لعلة دنيوية.
ولذلك كان علماء السلف يدعون الناس إلى مرافقة الصوفية ومصاحبتهم حتى يتعلموا منهم ويتخلقوا بأخلاقهم، وفى ذلك ورد أن رجلا قال لسهل بن عبدالله التسترى المتوفى عام 272 هـ، رحمة الله: من أصبحت من طوائف الناس؟ فقال عليك بالصوفية، فإنهم لا يستكبرون ولا يستكثرون.
ويقول الدكتور عبد الحليم محمود موضحا أهمية الأخلاق الصوفية فى عصرنا الحاضر:
فى هذا العصر الذى أخذت فيه الأرض زخرفها من العناصر المادية وقامت فيه الحضارة الأوروبية على المنهج الحسى المادى ولا تكاد تعترف بغيره من المناهج، مازال فى البيئات الإسلامية، والحمد لله، طوائف من أصحاب الفطر السليمة الذين يرجون للبشرية مستقبلا يضرب بأسهم وافرة فى عالم الخير والحق، عالم الدين والروح، عالم الإخاء والإيثار وهذا العالم الذى تنبع أصوله من وحى السماء، والذى يسير أفرادا، أو جماعات هادفا إلى تحقيق المنهج الإلهى والمبادئ الإلهية، يمثله كنماذج أضوأما تكون النماذج أئمة التصوف، وأعلام الصوفية، إنهم يمثلونه فى المنهج الذى اتبعوه، ويمثلونه كحقائق واقعية فى المبادئ والقواعد، إن حياتهم منهجا وموضوعا تترسم التربية الإلهية، وهدى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فيما هو سهل يسير، وهم يحاولون ما أمكن أن يكونوا بقدر الاستطاعة ورثة الأنبياء علما وورثة الأنبياء سلوكا وورثة الأنبياء أحوالا ومقامات.
المصدر: الأهرام اليومي
عبد الهادى القصب