آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

تفسير قوله تعالى : يا أيها الذين ءامنوا من يرتد منكم عن دينه.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } 

قوله جل ذكره : { يا أيها الذين ءامنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه } . 

جعل صفة من لا يرتد عن الدين أن الله يحبه ويحب الله ، وفي ذلك بشارة عظيمة للمؤمنين لأنه يجب أن يعلم أن من كان غير مرتد فإن الله يحبه . وفي إشارة دقيقة فإن من كان مؤمنا يجب أن يكون لله محبا ، فإذا لم تكن له محبة فالخطر بصحة إيمانه . وفي الآية دليل على جواز محبة العبد لله وجواز محبة الله للعبد . 
ومحبة الحق للعبد لا تخرج عن وجوه : إما أن تكون بمعنى الرحمة عليه أو بمعنى اللطف والإحسان إليه ، والمدح والثناء عليه . 
أو يقال إنها بمعنى إرادته لتقريبه وتخصيص محله . 

وكما أن رحمته إرادته لإنعامه فمحبته إرادته لإكرامه ، والفرق بين المحبة والرحمة على هذا القول أن المحبة إرادة إنعام مخصوص ، والرحمة إرادة كل نعمة فتكون المحبة أخص من الرحمة ، واللفظان يعودان إلى معنى واحد فإن إرادة الله تعالى واحدة وبها يريد سائر مراداته ، وتختلف أسماء الإرادة باختلاف أوصاف المتعلق . 
وأما محبة العبد لله - سبحانه - فهي حالة لطيفة يجدها في قلبه ، وتحمله تلك الحالة على إيثار موافقة أمره ، وترك حظوظ نفسه ، وإيثار حقوقه - سبحانه - بكل وجه . 

وتحصل العبارة عن تلك الحالة على قدر ما تكون صفة العبد في الوقت الذي يعبر عنه؛ فيقال المحبة ارتياح القلب لوجود المحبوب ، ويقال المحبة ذهاب المحب بالكلية في ذكر المحبوب ، ويقال المحبة خلوص المحب لمحبوبه بكل وجه ، والمحبة بلاء كل كريم ، والمحبة نتيجة الهمة فمن كانت همته أعلى فمحبته أصفى بل أوفى بل أعلى . 

ويقال المحبة سكر لا صحو فيه ودهش في لقاء المحبوب يوجب التعطل عن التمييز ، ويقال المحبة بلاء لا يرجى شفاؤه ، وسقام لا يعرف دواؤه . ويقال المحبة غريم يلازمك لا يبرح ، ورقيب من المحبوب يستوفي له منك دقائق الحقوق في دوام الأحوال ، ويقال المحبة قضية توجب المحبة؛ فمحبة الحق أوجبت محبة العبد . 

قوله جل ذكره : { يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون فى سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم } . 

لولا أنه يحبهم لما أحبهم ، ولولا أنه أخبر عن المحبة فأنى تكون للطينة ذكر المحبة؟ ثم بين الله تعالى صفة المحبين فقال : { أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين } . يبذلون المهج في المحبوب من غير كراهة ، ويبذلون الأرواح في الذب عن المحبوب من غير ادخار شظية من الميسور . 

ثم قال تعالى في صفتهم : { يجاهدون فى سبيل الله } أي يجاهدون بنفوسهم من حيث استدامة الطاعة ، ويجاهدون بقلوبهم بقطع المنى والمطالبات ، ويجاهدون بأرواحهم بحذف العلاقات ، ويجاهدون بأسرارهم بالاستقامة على الشهود في دوام الأوقات . 

ثم قال : { ولا يخافون لومة لائم } أي لا يلاحظون نصح حميم ، ولا يركنون إلى استقلال حكم ، ولا يجنحون إلى حظ ونصيب ، ولا يزيغون عن سنن الوفاء بحال . 

ثم بين - سبحانه - أن جيمع ذلك إليه لا منهم فقال : و { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم } متفضل عليم بمن يخص بذلك من عبيده . 

تفسير القشيري 

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق