القلوب أربعة: قلب تنوّر بالنور الإلهيّ منطمساً فيه، واستغرق في البحر العلميّ منغمساً فيه، فانفجرت منه أنهار العلم، فمن شرب منها يحيا أبداً كقلوب أهل الله السابقين وهو المشار إليه بقوله تعالى: { وإنّ منَ الحجارةِ لَمَا يتفجّرُ منه الأنهارُ } وقلب ارتوى من العلم، فحفظ ووعى، فانتفع به الناس، كقلوب العلماء الراسخين وهو المشار إليه بقوله: { وإن مِنها لمَا يَشققُ فيخرُجُ منه المَاءُ } وقلب خشع وانقاد واستسلم وأطاع، كقلوب العباد والزهّاد من المسلمين، وهو المشار إليه بقوله: { وإنّ منها لمَا يَهبطُ من خَشيةِ الله } وأدنى أحوال حاله هو الهبوط من خشية الله، أي: الانقياد لما أمر الله من الميل إلى المركز بالسلاسة. وبقي قلب لم يتأثر قطّ بالعلم ولم يتلين بالخوف آبياً للهدى، متكبراً، ممتلئاً بالهوى، متمرّداً، فلا يوجد من الجواهر ما يشبهه لقبول جميعها ما أمر الله به، فكيف بالحديد الذي يلين لما يراد منه؟
{ فويلٌ للقاسيةِ قلوبهم }: أي الصلبة اليابسة { مِن ذكر الله } أي: من أجل ذكره، الذي من حقه أن ينشرح له الصدر، وتلين له النفس، ويطمئن به القلب، وهؤلاء إذا ذكر الله عندهم اشمأزوا من أجله، وازدادت قلوبهم قساوة.
قال الفخر: اعلم أن ذكر الله سبب لحصول النور والهداية، وزيادة الاطمئنان في النفوس الطاهرة الروحانية، وقد يوجب القسوة والبُعد عن الحق في النفوس الخبيثة الشيطانية، فإذا عرفتَ هذا، فنقول: رأس الأدوية التي تفيد الصحة الروحانية ورتبتها: هو ذكر الله، فإذا اتفق لبعض النفوس أن صار ذكر الله سبباً لازدياد مرضها، كان مرض تلك النفوس مرضاً لا يرجى زواله، ولا يُتوقع علاجه، وكانت في نهاية الشر والرداءة، فلهذا المعنى قال تعالى: { فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين } وهذا كلام محقق. هـ. وهو كما قيل في الجُعَل أنها تتضرر برياح الورد، أي: وتنتعش بالشين. فكل مَن يفر من ذكر الله، ويثقل عليه، فقلبه جُعَل.