الغيبة : غيبة القلب عن علم ما يجرى من أحوال الخلق ، لاشتغال الحس بما ورد عليه ، ثم قد يغيب عن إحساسه بنفسه وغيره ، بوارد من تذكر ثواب ، أو تفكر عقاب .
وأما الحضور : فقد يكون حاضرًا بالحق ؛ لأنه إذا غاب عن الخلق حضر بالحق ، على معنى أنه يكون كأنه حاضر ، وذلك لاستيلاء ذكر الحق على قلبه ، فهو حاضر بقلبه بين يدى ربه تعالى ؛ فعلى حسب غيبته عن الحق يكون حضوره بالحق ، فإن غاب بالكلية كان الحضور على حسب الغيبة .
فإذا قيل : فلان . حاضر ، فمعناه أنه حاضر بقلبه لربه ، غير غافل عنه ، ولا ساهٍ ، مستديم لذكره . ثم يكون مكاشفًا فى حضوره على حسب رتبته بمعان يخصه الحق سبحانه وتعالى بها .
وقد يقال لرجوع العبد إلى إحساسه بأحوال نفسه ، وأحوال الخلق : إنه حضر أى رجع عن غيبته ، فهذا يكون حضورًا بخلق ، والأول حضورًا بحق . وقد تختلف أحوالهم فى الغيبة . فمنهم من لا تمتد غيبته ، ومنهم من تدوم غيبته.
وَقَدْ حكي أَن ذا النون الْمِصْرِي بعث إِنْسَانا من أَصْحَابه إِلَى أَبِي يَزِيد لينقل إِلَيْهِ صفة أَبِي يزيد ، فلما جاء الرجل إِلَى بسطام سأل عَن دار أَبِي يَزِيد فدخل عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ أَبُو يَزِيد : مَا تريد ؟ فَقَالَ : أريد أبا يَزِيد ؟ وأين أبا يَزِيد أنا فِي طلب أَبِي يَزِيد ، فخرج الرجل وَقَالَ : هَذَا مجنون ، فرجع الرجل إِلَى ذي النون فأخبره بِمَا شهد فبكي ذون النون وَقَالَ : أَخِي أَبُو يَزِيد ذهب فِي الذاهبين إِلَى اللَّه.
الرسالة القشيرية