قال أنس بن مالك رضي الله عنه: قال لي رسول الله: "يَا بُنَيَّ إِنْ قَدِرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ وَلَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لأَحَدٍ فَافْعَلْ" ثم قال: "يَا بُنَيَّ وَذلِكَ مِنْ سُنَّتِي وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحْيَانِي وَمَنْ أَحْيَانِي كَانَ مَعِي فِي الجَنَّةِ".
وهذا أتم شرف وأكمل فضل أخبر به الرسول في حق من أحيا سنته، فالصوفية هم الذين أحيوا هذه السنة، وطهارة الصدور من الغل والغش عماد أمرهم، وبذلك طهر جوهرهم وبان فضلهم؛ وإنما قدروا على إحياء هذه السنة ونهضوا بواجب حقها لزهدهم في الدنيا وتركها لأربابها وطلابها؛ لأن مثار الغل والغش محبة الدنيا ومحبة الرفعة والمنزلة عند الناس، والصوفية زهدوا في ذلك كله، كما قال بعضهم: طريقنا هذا لا يصلح إلا لأقوام كنست بأرواحهم المزابل، فلما سقط عن قلوبهم محبة الدنيا وحب الرفعة أصبحوا وأمسوا وليس في قلوبهم غش لأحد، فقول القائل: كنست بأرواحهم المزابل، إشارة منه إلى غاية التواضع، وأن لا يرى نفسه تتميز عن أحد من المسلمين، لحقارته عند نفسه، وعند هذا ينسد باب الغش والغل، وجرت هذه الحكاية فقال بعض الفقراء من أصحابنا: وقع لي أن معنى كنست بأرواحهم المزابل: أن الإشارة بالمزابل إلى النفوس، لأنها مأوى كل رجس ونجس كالمزبلة، وكنسها: بنور الروح الواصل إليها، لأن الصوفية أرواحهم في محال القرب ونورها يسري إلى النفوس، وبوصول نور الروح إلى النفس تطهر النفس ويذهب عنها المذموم من الغل والغش والحقد والحسد، فكأنها تكنس بنور الروح، وهذا المعنى صحيح وإن لم يرد القائل بقوله ذلك.