آخر الأخبار

جاري التحميل ...

السير والسلوك الى ملك الملوك -2

واعلم : أن بين العبد وربه سبعين حجاباً من ظلمة ونور كما جاء في الحديث الشريف وهي ترجع إلى العبد لا إلى الله ، لأن الله لا يحجبه شيء لأنه لو كان له حاجب لكان له قاهرا وهو القاهر فوق عباده . فالمحجوب في الحقيقة هو العبد ، والمراد من الحُجُب عند أهل التحقيق بُعْدُ المناسبة فافهم فإنه دقيق ، ولا تعتقد أن الحُجُب أمور حسيّة ولا أنَّ البُعْدَ بُعْدُ مسافة كما يفهمهُ القاصرون ، فإنه تعالى منزّه عن البُعد والقُرْب الحِسِّيين ومنزّه عن الجهة والمكان والزمان وغير ذلك من سِمات الحوادث .

واعلم أن سلوك الطريق جُعِلَ لتمزيق هذه الحُجُب السبعين وهي ترجع إلى السبع مقامات المذكورة . فالنفس في كل مقام محجوبة بعشرة حُجُب الحجاب ، الأول منها أكثف من الثاني ، والتاني أكثف من الثالث ، وهكذا إلى العاشر . وكذلك حُجُب كل نفس أكثَفُ من حُجُب النفْس التي بعدها إلى النفس السابعة . ولهذا كلّما وصل السالك إلى مقام من المقامات السبعة يزعم أنّه وصل إلى الله.

إذا عرفتَ هذا عرفتَ أن أبعد ما يكون العبد من ربّه إذا كان في المقام الأول ، لأن النفس فيه أمارة بالسوء ، وسنذكر أوصافها في بابها ، بل وأوصاف غيرها من النفوس حتى يعلم السالك في أي مقام هو ، لأن كل نفس من النفوس لها صفات وسَيْر وعالَم ومحَلّ وحَال ووارِد ، وهي أعني النفس الأمارة مَحجوبة بالحُجُب الظُّلمانية وما عداها من النفوس الباقية فهي محجوبة بحجب نورانيّة ، وبعضها أرقّ من بعض كما ذكرنا . فالسالك إذا كان في المقام الأول وتلقّن الإسم الأول من المُسَلِّك وداوم على تلاوته مع الإكثار آناء الليل وآناء النهار جهراً وسراًّ قياماً وقعوداً ، أَوْقدَ الله في باطنه ببركة هذا الإسم مصباحاً ملكوتياًّ ، فيرى بعين قلبه القبائح التي هو مُنطَوٍ عليها كارهاً لها مستنكراً إتصافه بها ، متحسِّراً على ما فاته من الأوقات بعدما كان في غفلةٍ لا يعرف القُبْحَ من الحَسَن . فيُشمِّر حينئذٍ ويَسعى إلى الخَلاصِ ممَّا فيه من القبائح الظاهرة والباطنة ، كالكِبر والحِقد والشَّحناء ، وأمثال ذلك . وكلما زاد من الذكر وداوم عليه زادت كراهته لأفعاله القبيحة ، وزاد سعيه في الخلاص منها ، وهذا أمر محقّق لا ينكره إلاّ من لم يُجرِّبه . وهذه أول كرامة يُكرم بها الله تعالى هذا السالك ليَستعين على قطع الطريق ، وله في كل مقام كرامة بل كرامات كثيرة ليثبت .

والمصباح المذكور هو أول الجذبة الرحمانية ، وكلما داوم السالك على الذكر مع المجاهدة ، قَوِيَ الجذبُ حتى يصل إلى أعلا درجات الكمال ، فيقوى على حمل الأمانة وعلى التجليات .



التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية