باب الجهر بالذكر
عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت أبدا بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة) أخرجه الترمذي. وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( من دخل السوق فنادى بأعلى صوته وذكر الحديث إلى قوله قدير ثم قال : كتب له ألف حسنة). وفي البخاري عن أبي سعيد مولى ابن عباس أن ابن عباس أخبره أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن عباس : (كنتُ أعلمُ إذا انصرفوا بذلك). وقال عليه السلام : (من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم). ويروى أن الصديق رضي الله عنه كان يخافت في صلاته بالليل ولا يرفع صوته بالقراءة، وكان عمر يجهر في صلاته، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر على فعله فقال : (من أناجيه يسمع كلامي). وسأل عمر فقال : (أُوقِظُ الْوَسْنَانَ،وَأَطْرُدُ الشَّيْطَانَ، وأُرْضِي الرَّحمن) فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يرفع صوته قليلا، وأمر عمر أن يخفضه قليلا. ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر برفع الصوت وهو الجَهر، ولم يأمر عمر بالاسرار بل بخفض الصوت، وذلك ليس بالاسرار. وإذا كان هذا في القرآن وهو أفضل الذكر فغيره كذلك، بل أولى. وينبغي للذاكر إذا كان وحده إن كان من الخاصة أن يخفض صوته بالذكر، وإن كان من العامة أن يجهر به، وإن كان الذاكرون جماعة فالأولى في حقهم رفع الصوت بالذكر مع توافق الأصوات بطريقة واحدة موزونة. قال بعضهم : مثل ذكر الواحد وحده وذكر الجماعة مثل مؤذن واحد ومؤذنين جماعة، فكما أن أصوات المؤذنين جماعة يقطع جرم الهواء الكثير مما يقطعه صوت واحد، كذلك ذكر جماعة على قلب واحد أكثر تأثيرا، وأشد قوة في رفع الحجب عن القلب من ذكر واحد وحده، وأيضا يحصل لكل واحد ثواب ذكر نفسه وثواب سماع الذكر من غيره. وشبه الله القلوب القاسية بالحجارة في قوله تعالى : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً)والحجارة لا تنكسر إلا بقوة، فكذلك قساوة القلب لا تزول إلا بالذكر القوي.