آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

مناظرة العارف بالله أحمد بن إدريس المغربي مع فقهاء عسير الوهابية (2)

مناظرة العارف بالله أحمد بن إدريس المغربي مع فقهاء عسير الوهابية (2)

ولما سطر الفقيه عبد الله بن سرور هذه المسائل في رسالة بعث بها إلى الأمير على بن مجثل فتولى إرسالها أولاً إلى الشيخ العلامة إبراهيم بن أحمد الزمزمي صاحب رجال ألمع ، وهو من العلماء الراسخين ، وبعد الإطلاع عليها ، أرشد الأمير إلى طي بساط ما في هذه الرسالة ، وإعدامها بالتمزيق ، وان لا يصغي الأمير إلى شئ من تلك المقالة ، ويزجر مؤلف الرسالة عن التعرض لما لا يبلغ إليه فهمه ، فما أصغى الأمير إلى كلامه سمعاً ، واستخفه مطاوعته ، مثل : الفقيه ناصر الكبيبي ، فأنه تولى ذلك الأمر في تقرير ذلك الاعتراض ورأى أن ذلك من نصرة الدين ، حتى أدى الحال أن الأمير أرسل بخط إلى السيد محمد بن حسن بن خالد عامل صبيا : أن من قال بهذه المقالة من أصحاب السيد أحمد يخرج من صبيا ، ويسفرُ إلى الجهات البعيدة فما استحسن ذلك الصنع ، وراجع الأمير هو وبعض علماء الجهة في هذا المقصد .

وهذا ناصر الكبيبي ذو دعوى عريضة في العلم ، ولا حاصل عنده يقوم بصحة تلك الدعوى ولكن نفق نفاقه على من لا يدري الحقائق ، ولو علم أنه جلس بين يدي من يرشده للصواب لرمى ما يعتقده من حالق ، وما أعقب ذلك ، إلا نزول الأمير من السراة لجهاد أبي عريش ، ولما وصل صبيا عاد الخوض في هذه المادة ، وقام ناصر الكبيبي ، وقال للأمير : أنا أقوم بمناظرة الشريف أحمد بن إدريس ، وأورد المسائل التي نقلها الأخ عبد الله بن سرور عنه ، وعن أصحابه عليه .
وبعد استقراره بصبيا استدعى الأمير بجميع العلماء من أهل المخلاف والحاضرين في صبيا ، فممن حضر من أعيانهم السيد العلامة علي بن محمد العقيلي الحازمي ، والسيد عبد الله عيسى بن علي ، والقاضي العلامة عبد الله بن محمد السبعي ، والقاضي العلامة أحمد بن علي ، والسيد العلامة أحمد بن علي بن عدوان ، والسيد العلامة إسماعيل بن شبير ، والسيد العلامة علي بن محمد الشوش ، والسيد الفاضل حسن بن محمد بن عبده ، والفقيه محمد بن عبده الحازمي وغيرهم من فقهاء البلد ، وكنت ممن ألزم بالحضور في ذلك المجلس ، فحضرت ، فلما حضر هؤلاء بين يدي الأمير استدعى بفقهائهم ، فحضر ثلاثة وهم : ناصر الكبيبي ، وعبد الله بن سرور وعباس بن محمد الرفيدي ، وقال الأمير ما معناه : إني لم أجمعكم إلا وقد علمتم ما نحن عليه من الدعوة الإسلامية ، و أنا لم نزل قائمين بها في تجديد التوحيد ، وهدم الشرك وهذه الرسالة كتبها المطوع عبد الله بن سرور ، فيها حوادث جارية مما ينافي التوحيد ، ويقدح في جانب الإسلام وأهله ، والمقصود اطلاعكم عليها ، فإنا ما نقول ولا نفعل إلا بقول أهل العلم ، فنشر تلك الرسالة في ذلك الوقف ، و تولى إملاءها الفقيه على بن يحيي كاتب الأمير ، فبعد أملاها و أكملت . قال الأمير: ما تقولون ؟

فبدأ السيد على بن محمد عقيل بالجواب ، فقال : هذه الأمور لم تكن صادرة من السيد أحمد بن إدريس فعارضه ناصر الكبيبي ، فقال : لا تقل السيد أحمد بن إدريس ، فإن السيد هو الله تعالى ، قل: الشريف أحمد أو أحمد بن إدريس .
فقال له : قد قال صلى الله عليه وآله وسلم لسبطه الحسن رضي الله عنه (( إن ابني هذا سيد)) وقال للأنصار لما أقبل سعد بن معاذ رضي الله عنه (( قوموا إلى سيدكم))
ولفظ السيد إطلاقه شائع في الشرع ، ولا محذور فيه ، فسكته الأمير ، وقال ليس هذا مقصودنا ، إنما تكلم ، يا علي .
فقال على بن محمد ، أنا عرفت أيام مهاجرتي في مكة سنة ألف ومائتين وسبع وثلاثين ، وهو من العلماء الأكابر ، ولا نظير له فيما علمنا في الأقطار الإسلامية في معارفه في العلوم الشرعية ، وفي علوم الحقائق ، وليس يقرن به أحد من أهل هذا الزمان ، وهم مشايخنا مثل : السيد عبد الرحمن بن سليمان ، والقاضي عبد الرحمن بن أحمد البهكلي ، صاحب بيت الفقيه ، ومن في طبقتهم من علماء اليمن والشام ومثل عالم صنعاء : القاضي محمد بن على الشوكاني ، عرفه بالمكاتبة ، وأطنب في الثناء عليه ، وأرشد الناس إلى الاستكثار من علومه ، وقال إنها حديثة عهد بربها ، كما رايته في جواب له على السيد عبدالرحمن بن سليمان ، وكذلك السيد الحافظ عبدالله بن محمد الأمير، وأخوة المحقق قاسم بن محمد ، وابن أخيه العلامة يوسف ابن إبراهيم .
فإذا كان مثل هؤلاء العلماء الذين تسنموا غارب الاجتهاد ، وما منهم إلا مصنف في علوم الإسلام . وهو إمام ناقد طأطأوا رؤوسهم له أدباً ، وأذعنوا له ، فمن يكون ناصر الكبيبي ، وعبدالله بن سرور اليامي اللذان نسبتهما إليه كنسبة صبيان المكتب إلى الجهابذة من أهل العلم ؟ فإنكارهم على السيد احمد منكر ، ،ولا يسعك إسعادهم على ذلك ، فلما قال السيد على بن محمد ذلك التفت الأمير إلى يحيى بن محسن وقال: ما تقول أنت؟ وهؤلاء العلماء كل منهم يتكلم عن نفسه ، فهذا دين ما فيه محاباة .

فقال السيد يحيى بن محسن : هذا رجل – كما قال على بن محمد – هو في الدرجة كمثل الصادق ، والباقر في أهل البيت ، وانتم قد تشرفتم بقدومه إلى بلادكم ، والآن بهذا الصنيع كدرتم المشرب ، فإذا لم تروا له الإقامة فيما تحت أيديكم من البلاد ، فعرفوه يرتحل ، فقد فارق أشرف البقاع لدون هذا العارض ، وحيثما توجه لقي الإكرام ، وأما فتح باب الاعتراض عليه من مثلنا ، أو من هؤلاء الإخوان الذين هم مطاوعتكم ، فهو لا يليق فإنه يسبح في بحر لسنا من الخائطين فيه ، وماهلك من عرف قدر نفسه ، بل يكون ذلك اعتراض من لا يدرى على من يدرى ، وهذا الجهل البسيط .
وقال عبدالله السبعي وكان طبعه حدة : أنا في حضرتكم تقع الآن المراجعة بموقف هؤلاء الأعلام بينى وبين ناصر وعبدالله بن سرور وما أسألهم إلا على ظواهر في علوم الشرع في باب الطهارة والمواقيت ، فإن أجابوا بالصواب عرفت أنهم علماء ، وحسن إطلاق اسم الفقيه عليهم ، وإن عجزوا عن مراجعتي عرفت أنهم ليسوا بأهل لمراجعة السيد أحمد الذي هو البحر الذي لا ينزف .

وبعد هذا كله صوب أحد العلماء هذا الرأي ، وتكلم عن نفسه بتقرير ما قاله الثلاثة الأعلام ، فغضب عبدالله بن سرور ، وكان فيه طيش ، والتفت إلى الأمير وقال : هؤلاء ما وصلوك إلا وقد تواطأوا على هذا الكلام ، والتفت إلى حضر ، وقال : أنتم علماء تهامة لا تغضبون لهذه المنكرات الصادرة من أصحاب السيد أحمد وفيكم عقائد في الصالحين ، وتخافون من السيد أحمد ، ولا تخافون من الله تعالى !! 

فقال له بعض من حضر : هذا كلام سفه ، والغضب لله تعالى في المنكر ، وفعل السيد أحمد معروف، وأنت خلطت المعروف بالمنكر ، وأردت المساعدة عليه ، وقد برأنا من أن نقر بالباطل ، وأن نرضى مخلوقاً بما يغضب الخالق، ولكن نرى افتراء معائب على مثل الإمام ، مما تعجل عقوبة المفترى عليه . وأما إنا نخافه ، فلم يكن بيده سنان ولا سيف ، بل سلاحه الذي يحارب به المعاندين أدلة السنة والكتاب ، وسهام الأدعية التي لا تخطي مستحقاً وقد ورد في الحديث : ((من آذى لي ولياً ، فقد آذنته بالحرب )) ، وإذا لم يكن العلماء أولياء الله تعالى ، فما في الدنيا ولي ، ومن بارز الله تعالى بالمحاربة فقد هلك . فقال الأمير : مالنا حاجة يا مطاوعة بخصامكم ، وإنما ألزمكم الليلة بالمشي مع ناصر الكبيبي ، وعبدالله بن سرور ، ويعقد مجلس المناظرة بين السيد أحمد وبينهما بحضوركم ، والحق أكبر من كل أحد . ولا نقر أحداً في بلادنا على الباطل ، وحبل الدين متين ، وتفرق المجلس على هذا الإلزام .

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق