إن الفرق بين النبوة والولاية من المسائل الدقيقة في الدين الإسلامي، سواء كان ذلك من حيث مقام الإسلام أو الإيمان أو الإحسان. والمتفق عليه عند أهل السنة والجماعة هو فضل النبوة على الولاية إذ أن التحقق بالولاية لا يكون إلا بمتابعة ما أخبر عنه نور النبوة شريعةً وطريقةً وحقيقةً. إلا أن أهل الله من السادة الصوفية ذهبوا إلى أن الولاية، من الرسول أتم وأكمل من النبوة والرسالة فيه، وذلك أن النبوة هي عبارة عن الأنباء عن الله ذاتاً وصفاتاً وأفعالاً، والرسالة هي البعثة برسالة مخصوصة مقرونة بتشريع؛ إما لقومٍ مخصوصين كما كان الحال في الرسل غير سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، أو برسالة عامة لكافة البشر كما هو شأن رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
والنبوة والرسالة في الرسول لا يكونان إلا باعتبار الخلق والأمم التي بعث إليها الرسل، أما الولاية فهي العلاقة المباشرة بين الرسول أو النبي، بالله تعالى التي يستمد منها معرفته بالله بل والتشريع الذي يأتي به إلى الخلق، ومعرفة الرسول أو النبي بالله تعالى أتم مما أثبته لعموم الخلق من التشريع، لأن التشريع أمر عام يدخل فيه من له قابلية الولاية الخاصة، وحتى هؤلاء لا يحصلون منها إلا على قدر استعدادهم لا على قدر معرفة النبي أو الرسول، يتبع ذلك أن نقول إن النبوة والرسالة في النبي أو الرسول متناهية محصورة بمدة نبوته ورسالته، أما ولاية النبي أو الرسول فإنها لا تنقطع بوفاته.
أما عموم الأولياء فهم يستمدون من مشكاة النبوة ولم يصلوا للولاية إلا بصحة المتابعة، فحتى من تحقق منهم بمقام الإحسان والحقيقة فإنه لم يتحقق إلا بالاستمداد من أنوار نبي أو رسول، وكان أكملهم الأولياء المحمديون الذين استمدوا من روح وقلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو المعبر عنهم بالأفراد عند بعض أهل الله، وبالمحققين عند آخرين.
فالحاصل أن الولاية بكمالها لا تحقق لها إلا في نبي أورسول، وأنها لم تتعين على الكمال إلا في سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وسنذكر في هذا الباب نصوصاً من كلام أهل الله عن هذه المسألة الدقيقة والمهمة توضح ما ذكرناه.
قال الشيخ الأكبرمحيي الدين بن عربي في كتابه فصوص الحكم شارحاً الفرق بين النبوة والولاية : "واعلم أن الولاية هي الفلك المحيط العام ولهذا لم تنقطع ولها الإنباء العام، وأما نبوة التشريع والرسالة فمنقطعة، وفي محمد صلى الله عليه وسلم انقطعت... فإذا رأيت النبي يتكلم بكلامٍ خارجٍ عن التشريع فمن حيث هو وليٍّ عارف، ولهذا مقامه من حيث هو عالمٌ وولي أتم وأكمل من حيث هو رسولٌ أو ذو تشريع وشرع، فإذا سمعت أحداً من أهل الله يقول لك أو ينقل إليك عنه أنه قال الولاية أعلى من النبوة فليس يريد ذلك القائل إلا ما ذكرناه، أو يقول إن الولي فوق النبي والرسول، فإنه يعني بذلك في شخص واحد، وهو أن الرسول من حيث إنه ولي أتم منه من حيث إنه نبي أو رسول، لا لأن الولي التابع له أعلى منه، فإن التابع لا يدرك المتبوع أبداً فيما هو تابعٌ له فيه، إذ لو أدركه لم يكن تابعاً له فافهم".
فمرجع الرسول والنبي المشرع إلى الولاية والعلم، ألا ترى أن الله أمره الزيادة من العلم فقال : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) وذلك أنك تعلم أن الشرع تكليفٌ بأعمالٍ مخصوصة أو نهيٌ عن أعمالٍ مخصوصة، ومحلها هذه الدار فهي منقطعة، والولاية ليست كذلك إذ لو انقطعت لانقطعت من حيث هي كما انقطعت الرسالة من حيث هي، وإذا انقطعت من حيث هي لم يبق لها اسمٌ، والولي اسمٌ باقِ لله تعالى فهو لعبيده تخلقاً وتحققاً وتعلقاً. انتهى.
في الشريعة والطريقة والحقيقة
بواسطة عاصم إبراهيم الكيالي