آخر الأخبار

جاري التحميل ...

كشف الغطاء في طريق الصوفية / ابن خلدون (8)

ولأن هذا العالَمَ بمنزلةِ عالَمُ المتضادَّات بمقتضى خِلْقَتِه، كانتِ الآثارُ الراجعة إليها من أفعالها على نوعين : 

منها ما يكون مشيعاً لها نحو الكمال ومعيناً عليه، وهو الخُلُقُ الزَّكيُّ والحسنات.
ومنها ما يكون عائقاً عن الكمال وصارفاً عنه وهو الرذائل والسيئات.

فإن كانت الآثار المستفادةُ آثار الخير والزكاءِ زاد فيها تطلُّعاً إلى الكمال، وإقبالاً على الخير، وميلاً إليه، وتيسيراً في صدوره. ثم إذا صدر ثانية ورجعت إليها الآثارُ عادتِ الزيادة مضاعفة، فلا تزال كذلك تتضاعف الزيادة عوداً بعد بدء، حتى ترسَخُ صفات ُالخير المتكلفةُ بالكمال، وتستولي على أمره وتتهيأ به لسعادتها الآجلة.

وإن كانت الآثار المستفادةُ آثار شرورٍ ورذائل صرفها عن التطلُّع، وقصر بها عن الكمال، ويسّرها لصدور رذائل أخرى تتضاعفُ منها آثار الشَّر والرَّذائل فيها، ولا تزال أيضاً كذلك إلى أن تنتهي إلى شِقْوَتِها الكبرى، إلاَّ أن يمنَّ الله برحمته، وينقذها بلطفه. قال تعالى : ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ) وقال :(مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا) وقال : (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) وقال : (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ). وقال صلى الله عليه وسلم : (إنَّمَا هِيَ أعمالُكُم تُرَدُّ عَلَيْكُم). فإذا أمدَّ الله هذه اللَّطيفة الربّانيّة بنور الإيمان، وزكّاها بأعمال الحسنات، وطهّرها من اقتراف السيئات رجعت إلى الله وقد خلُصَت من عوائق هذه الدنيا وتبعاتهان واستولت على الكمال الذي خُُلقت له، وأبرزَتْ إلى الحياة الدنيا بسببه، قال تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) قال ابن عباس : معناه ليعرفون. وقال تعالى : (ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ).

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية