المقدمة الثانية : في كيفية اكتساب هذه اللطيفة الربّانية العلومَ والمعارف التي بها كمالها، وفيه فرق بين العلم الكسبِي والإلهامي، وبين والروحاني.
اعلم أن هذه اللطيفة لما أركبت مطية البدن وثبت قواها فيه للاستكمال بحياتها الدنيا، ثم كانت من عالم الأمر والملكوت، تعيّنت لها جهتان تكتسبُ منها كمالها بالعلوم والمعارف إحداهما جهةُ هذه الحياة الدنيا التي خلِقت لها، وجميعُ ما فيها مسخّر لها، والأخرى جهة عالَمها الذي نشأتُها منه، وذاتُها من طبيعة ذواته، فجهة الحياة الدنيا والعالَمُ الأسفل تُكتسب منها العلوم والمعارف ببسط الحواس الظاهرة على المدركات، بانتزاع صوَرها في الخيال، ثم تجريد المعني المعقولة منها، ثم تصرُّفُ الفكر فيها بالتركيب والتحليل ونظمِ الأقيسة حتى يفصَلَ مطلوبها الذي تتوجه إليه، ويسمى هذا العلم كسبياً، وجهة العالَم الأعلى وعالم الأمر وعالم الروحانيات تكتسب منه بتصفيتها عن كدوراتِ الرذائل وتخليصها من ظلْمِ البشرية، فتتعرض بذلك لنفحات الرحمة ومهب الكمال والسعادة، فتلوح أنوار العلم والمعرفة في القلب.
ثم إن صفاءَها عن الكدرات وتخليصها بالمجاهدة، إن كان بغريزة مركوزة في الجِبِلَّة من لدن نشوَِه وهي العصمة مانعة من مقارفة جميع ما تتوهَّم فيه مخالفة، وكانت الظلم البشرية مَمْحُوَةً، وحظ ُّالشيطان منزوعا من القلب بنور النبوّة، كان العلم اللائح من ذلك العالَم بسبب يوردُه ويُلقيه مع مشاهدة المورد له وهو الملَكُ، وهذا هو الوحي، وهو علم الأنبياء صلوات الله عليهم وهو أرفع مراتب العلم.
وأما إن كانت التصفية والتّخليص باكتسابٍ وطريقٍ صناعي، فإن العلم المفاد عنه لا يشعر بسببه ولا مورده، وإنما يكون نَفْثاً في الُّروع، وهو دون العلم الأولن وهذه علوم الأولياء والصدّيقين، وهي العلوم الإلهامية والكشفية واللّدنيّةن مأخود من قوله تعالى :
(وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) أما الوحي والعلم الكسبي فأمرهما ظاهر، هذا بالحس وذاك معلوم من الدين ضرورة. وأما العلم الإلهامي فيكاد أن يكون التّصديق به وجدانياً، وأوضح ما يعتبر به ويشهد بصدقه حال الرؤيا، وكيف تكون إذا اسدل حجاب النومن وخفَّ عن القلب إصر الحواس الظاهرة، واجمعت قواه إلى الباطن كيف يفضي ذلك به إلى أن يختلس إدراكاً ما من جانب عالمه صريحاً أو مثالاً ومحاكاة، يشهد صدقه في اليقظة بصحة إدراكه، وما ذاك إلاّ لخفة الكثير من عوائق هذا الإدراك بركود الحس الظاهر، فكيف لو ارتفعت جميع العوائق البدنية، وأمحت سائر الصفات اليشرية. قال صلى الله عليه وسلم :(الرؤيا الصالحة جزء من ستة واربعين جزءاً من النبوة). وقال صلى الله عليه وسلم : (الرُّؤْيَا من المُبَشِّرات)، وكانت بداية أحوال الوحي والاطّلاع إلى عالم الملكوت الرُّؤيا، قال عائشة رضي الله عنها : (أَوَّلُ ما بُدِئَ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرُّؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت كَفَلَقِ الصُّبْحِ).
(وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) أما الوحي والعلم الكسبي فأمرهما ظاهر، هذا بالحس وذاك معلوم من الدين ضرورة. وأما العلم الإلهامي فيكاد أن يكون التّصديق به وجدانياً، وأوضح ما يعتبر به ويشهد بصدقه حال الرؤيا، وكيف تكون إذا اسدل حجاب النومن وخفَّ عن القلب إصر الحواس الظاهرة، واجمعت قواه إلى الباطن كيف يفضي ذلك به إلى أن يختلس إدراكاً ما من جانب عالمه صريحاً أو مثالاً ومحاكاة، يشهد صدقه في اليقظة بصحة إدراكه، وما ذاك إلاّ لخفة الكثير من عوائق هذا الإدراك بركود الحس الظاهر، فكيف لو ارتفعت جميع العوائق البدنية، وأمحت سائر الصفات اليشرية. قال صلى الله عليه وسلم :(الرؤيا الصالحة جزء من ستة واربعين جزءاً من النبوة). وقال صلى الله عليه وسلم : (الرُّؤْيَا من المُبَشِّرات)، وكانت بداية أحوال الوحي والاطّلاع إلى عالم الملكوت الرُّؤيا، قال عائشة رضي الله عنها : (أَوَّلُ ما بُدِئَ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرُّؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت كَفَلَقِ الصُّبْحِ).