في حقيقة الذكر والذاكرين الله على الحقيقة
ومنها: فقد صليت ذات يوم مكتوبة بالقرويين بعد أن كان كل من بها على عبادة، أي: منهم من يصلي، ومنهم من يتلو، ومنهم من يحدّث، ومنهم من يدرّس، ومنهم من يقرأ دلائل الخيرات، وهكذا ... فإذا رجل يدَّعي الخصوصية بقربي نعرفه، إذ كان متعلقاً بشيخنا كما كنّا، فسلبته الدنيا من حلة الفقر ولم تترك له إلا الدعوى باللسان، وقطَعته عن الشيخ وعنّا وتركته من أقل الناس، فقلتُ له بأثر الصلاة : هل هؤلاء القوم ذاكرون أم غافلون ؟ فتحير فيما يقول لي ساعة لأنه فهم أن المعنى راجع إليه ثم قال : ما يظهر إلا ذاكرين - لخلاص نفسه - فقلت : ذاكرون عند الغافلين، وغافلون عند الذاكرين، لأن عندهم ما ترى من الأسباب الدينية، وعندهم ما يماثلها بعشر مرات من الأسباب الدنياوية، وهم فقراء من الجهتين، أي : فقراء من الدنيا وفقراء من الآخرة، فكلاهما ليست عندهم لعدم اطمئنانهم بربهم، ولو ذكروه - أو نقول : عبدوه حقّاً - لاطمأنوا به وذهب عنهم كل بأس إذلا يجتمع ذكر الله والبأس؛ فمهما حضر ذكر الله ذهب البأس، ومهما حضر البأس ذهب ذكر الله، ومن زعم أنهما يجتمعان فهو جاهل بمزية ذكر الله، وهو لا يعرف قدر ذكر الله، ولا سرَّ ذكر الله، ولا درجة ذكر الله.
ولذكر الله قدر كبير وسر كبير، وكيف لا وقد لا يحزن الفزع الأكبر المطمئن بذكر الله يوم القيامة، فأحرى ما يصيبه من البلايا والمحن في دار الدنيا.