آخر الأخبار

جاري التحميل ...

كتاب : المُعْزى في مناقب الشيخ أبي يَعْزى (2)

الباب الأول

في نسبه ومجاهداته وما لقي في ذلك من التعب والنصب الذى لم يصل إليه 
إلا الأفراد وآحاد الرجال

قال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن الفضل التلمساني في «النجم الثاقب» : 

فيما ذكره لأولياء الله من المفاخر, والمناقب في نسَب هذا الإمام: (آل النور بن عبد الله سيدي أبو يعزى), كذا قرأت نسبَه بخطِّ الإمام أبي محمد عبد الله بن عبد الملك.
قال أبو يعقوب يوسف بن يحيى المعروف بابن الزيات في كتابه التشوُّف هو: الشيخ أبو يعزى آل النور بن ميمون.
وقال الإمام المحدث أبو العبَّاس العزفيٍ: وجدت بخط الفاضل العلاَّمة أبي إسحاق التلمساني آل النور بن عبدالرحمن بن أبي بكر الإيلاني. 
قال أبو بكر بن الخطيب في أُنسه: أبو يعزى آل النور بن عبد الله كان آيةً من آيات الله تعالى، وأمْرُه كله عجيبٌ، وبلغَتْ كراماته حدَّ التواتُر، وحدِّث عن البحر ولا حرج.
قال أبو العباس أحمد بن محمد الورنيدي في شرحه للنفحات القدسية: أبو يعزى كنيته الشيخ المشهور، وأكثر ما ينطقون به في الأخبار: بفتح العين وتشديد الزَّاي. 
ثم قال: واسمه آل النور، وقيل: يلّبخت بن عبدالرحمن بن أبي بكر الإيلاني المغربي. 
فقيل: إنه من هزميرة أيركان، وقيل: من بنى صبيح من هسكورة.
وقيل: من أغمات إيلان نزيل تاغية من بلاد أيركان من عمل مكناسة الزيتون، كان قطبَ عصره وأعجوبة دهره وإمام وقته. 
قال أبو علي بن حسن بن القاسم بن بادس في شرحه للنفحات القدسية قال: وكنَّاه أبوالحسن أبا نجم.
قال: وذكر أبو العباس أحمد بن الحسين الشريف الغرناطي التونسي الحافظ عن أبي العباس أحمد بن محمد العزفي أن: اسمه يلبخت بن عبدالرحمن بن أبي بكر الإيلاني المغربي, إليه انتهت تربية الصادقين, والسالكين بالمغرب.
قال الشيخ أبو الصبر أيوب بن عبد الله الفهري: لقيت الشيخَ الزاهد الرفيع, آية وقته, أبا يعزى آل النور, وكان أعجوبة الزمان, وعدّة الأمان, بلغ من مقامات اليقين مقامًا لايبلغه إلا الأفراد من العارفين. 

أما مجاهداته : فَقَلَّ مَنْ يصل إليها من الأكابر، حدَّث عنه جماعة ممن تعرَّض لأوصاف مجاهدته؛ كابن الزيات في تشوُّفه, وصاحب النجم, والعزفي أنه قال: أقمت في البراري سائحًا خمس عشرة سنة لا آوي إلى معمورٍ، وكنت أتقوَّت بالجمار ونبات الأرض، وكانت الأسود والوحوش والطيور تأوي إلىّ في سياحتي, وتتآنس بمجاورتي، ولا كان قُوتُه إلا من نبات الأرض، ولا يشارك الناس في معاشهم لا في مجاهدته, ولا في نهايته حتى لقي الله على أكمل حالٍ. 
وثبت عنه أنه قال: ذكر صاحب التشوُّف عن أبي عمران موسى بن وركون الخطابي قال: حدثنا عبدالعزيز الهسكوري تلميذ الشيخ أبي يعزى قال: سمعت الشيخ أبا يعزى يقول: أقمت عشرين سنة في الجبال المشرفة على تمليل التى بين الغيل المنسوب لآية مدوال ودمنات، وليس لي فيها اسم إلا أبو كرتيل.

ومعناه : أبو حصير؛ لأنه كان لا يلبس إلا حصيرًا، ثم انحدرْتُ إلى السواحل, فأقمت بها ثمانِ عشر سنة لا اسم لي فيها إلا أبو ونلكوط، ومعناه: النبات المعروف عند العامة بطول أمازيره؛ لأنه إنما ينبت غالبًا في الأزبال, والمزابل, وما فيه رائحة الزبل, ولا يأكله الناس, ولا الدواب غالبًا، فكان قوته مما لا يشارك فيه الآدميين، وكان في آخر حاله يأكل البلوط يطحنه ويعجنه أقراصًا فيقتات بها.
وذكر صاحب التشوف: إنه كان في ابتداء أمره يرعى البقر، وكانوا يصنعون له أرباب المواشي التي يرعى لهم رغيفين كل يوم، فكان يأكل رغيفًا, ويؤثر بالرغيف الأخر رجلاً كان منقطعًا في ذلك المسجد الذي كان يأوى إليه لقراءة القرآن، فانقطع في المسجد رجل آخر لقراءة القرآن، فدفع له الرغيف الثاني، وجعل يأكل من نبات الأرض، فلما رأى النبات يكفيه عن الطعام قال: ماذا أصنع بأكل الطعام ونبات الأرض يكفيني عنه؟!.
وقال محمد بن علي، قال: سمعت أبا عبد الله الباجي، وكان من خيار أصحابه الفقهاءالنجباء قال: رأيت الشيخ أبا يعزى يجمع له الخباز, أو قال الخبيز فيطْبخ ويجفّف، فإذا أراد أن يأكل جعله في قدحٍ فيأكل منه لقمة أو لقمتين كالقاهر لنفسه، ويقول:ليس لك عندي إلا هذا. 
وقال أبو عبد الله الباجي: مررت به يومًا وهو يأكل قلوب الدفلا، فناولنيها فوجدْتُها حلوة. 
وحدَّث الثقات عنه من وجوهٍ شتّى مختلفة الألفاظ ومتفقَة المعنى, أن السلطان عبد المؤمن بن علي بعث إليه عام إحدى وأربعين وخمسمائة هـ، فورد عليه راكبًا على حمارٍ، فحبسه في صومعة الجامع؛ أعني: جامع الكتبيين في الصومعة السفلى التى كانت للمتونبين, إذ هم الذين بنوها.
وأما الكبرى إنما بنيت في آخر أيام يعقوب المنصور في حدود أربع وتسعين من القرن السابع، قالوا: وكانت معه أقراصٌ من البلّوط, أو قال من دقيق البلوط، فكان يجعل معه أوراق النليبا؛ يعني: الخبيز يجففها ويطحنها، فإذا صلّى المغرب يأخذ قدر نصف رطل, فيقتات به، فبقي هناك أيام، ثم خلا سبيله لسرٍّ اتفق لعبد المؤمن بن علي، فقال لأصحابه: اتركوه ولا سبيل لكم إليه. 
ويُقال: ستّةٌ قليل من بلغ مجاهدتهم في بدايتهم: سيدي أبي يعزى في المغرب، وسيدي عبد القادر الجيلاني في المشرق، وسيدي سهل بن عبد الله في القرن الثالث، وسيدي أبي الخير المباحي، وسيدي أبي عبد الله الهزميري، وسيدي أبي يزيد رضي الله عنهم. 
قالوا: وليس ببعيدٍ من هؤلاء سيدي أبي مدين مع ما كان يعانيه من طلب العلوم للعمل بكل ما يعلم، وكذا سيدي أبي محمد صالح مع عُزلة عن الناس وانقطاع إلا ممَنْ كان لا بد منه من إخوانه الصديقين. 
قالوا: وفي القرن الثامن كان أبو العباس بن عاشر صاحب سلا والله أعلم.
ويُحكى عنه في مجاهدته وعظم ثقته بالله تعالى مما حكاه أبو العباس بن الخطيب عن شيخه الإمام المشهور: شيخ الجماعة الفقهاء, والصوفية أبو عمران موسى بن محمد بن معطى العبدوسي: كان الشيخ أبو يعزى إذا حرث يعطي تسعة أعشار للمساكين، ويحبس العُشر لنفسه، ويقول: إني أستحي أن أمسك تسعة أعشار، وأصرف العُشر للمساكين، فإن هذا من سوء الأدب مع الله عز وجل. 
وقال أبو العباس الوريندي في شرحه للنفحات القدسية
إن الشيخ أبا يعزى بقي في بداية أمره خمس عشرة سنة لا يأكل إلا حَبَّ الخبيز، قلت: أبا يعزى فريدَ دهره، ووحيدَ عصره فيه، وفي مثله يقول القائل : 

هَيْهَات لاَ يَأْتي الزَّمَانُ بِمثلِهِ   إِنَّ الزَّمَانَ بِمِثلِهِ لَبَخِيلُ
وَلَـوْ حَلف لِحنـث في يَمِينِهِ     وَلاَ يَجْـد إِلَى ذَلِكَ سَبِيلُ

وكان السهر أليفه، والجوع خليله، وما فارقه حتى لَقِي الله تعالى، وكان في الليل يدخل في الشعب التى كانت مجاورة له, حتى إذا قَرُبَ الفجر أتى لمسجده والناس يصلُّون فيه النافلة يُحْيُون الليل كله في رمضان، وكان في آخر عمره حيث إستقراره بتاغية يلبِسُ جُبَّةً من تليس مطوّق وعليه برنوس أسود مرقّع إلى أسفل من ركبتيه, وعلى رأسه شاشية من العزف، وكان رقيقًا أسود اللون زنجيًّا أطلس ليس بوجهه نبات أصلاً. 

مجاهدته في هذا الطريق : كادت أن تكون عند من ليس له صدق محال، ولاسيَّما في هذا الزمان الذي قَلَّ فيه اليقينُ، وضَعُف الدين، وغَلب الهوى, وحُبُّ الدنيا على القلوب.

نسأل الله مولانا أن يزقنا نصيبًا وأجرًا مما رزقهم، ولا حرمنا من فضلهم وبركاتهم، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلّم.

صفحة البداية           الفهرس        <<السابق          التالي>>

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية