لأَذكَرَهُ كَرْبي أَذى عيشِ أزْمَة
بمُنْقَطِعي ركْبٍ، إذا العيسُ زُمّتِ
أي : لأذكر الدليل حزني أذى عيش زمان الشدة الحاصل بالذين انقطعوا عن الركب وبقوا حيارى في البادية حين زمت الإبل للسوق. والغرض أن الدليل لو سمع تأوهي لينكر ما كان يسمع من صوت المنقطعين من الركب وترحم عليهم فيرحمني أيضًا.
وقدْ برَّحَ التَّبريحُ بي وأبادني
وأبدَى الضَّنَى مِنِّي خَفِيٍّ حَقِيقَتِي
أي : وقد أقام بي التبريح والإيلام ولازمني حتى أهلكني وأظهر الضنا مني ما كان مخفيًّا في روحي وقلبي من العشق والمحبة فاطلع على حالي مراقبي.
فنادمتُ في سكري النحولَ مراقبي
بجملةِ أسراري وتفصيلِ سيرتي
أي : لما اطلع مراقبي على حالي نادمته بلسان الحال والباطن بمجموع أسراري وجملتها وتفصيل طريقتي. (وفي بعض النسخ في سكري) أي : نادمت في سكري الحاصل من النحول مراقبي (فنصب النحول بنزع الخافض والأول أولى).
ظهرتُ لهُ وصفاً وذاتي بحيثُ لا
يراها لبلوى منْ جَوى الحُبِّ أَبْلَتِ
يراها لبلوى منْ جَوى الحُبِّ أَبْلَتِ
أي : ظهرت للرقيب معنى فأبدت خواطر قلبي وأحاديث نفسي سرَّ ما كنت أخفيه عن الرقيب من المحبة والعشق، والحال أن لساني لم يتكلم بشيء من المحبة وأسرارها.
فأبدتْ ولمْ ينطقْ لساني لسمعهِ
هواجِسُ نفسي سِرَّ ما عنهُ أخْفَتِ
أي : ظهرت للرقيب من حيث المعنى، والحال أن جسمي بحيث لا يمكن أن يراه الرقيب لأجل البلاء الذي حصل له من ألم الحب وأهلكه.
وظَلّتْ لِفِكْري، أُذْنُهُ خَلَداً بها
يَدُورُ بهِ، عن رُؤْيَة ِ العينِ أغنَتِ
أي : صارت أذن الرقيب قلبًا لفكري بها يدور الرقيب فيه ويعرف أسراره بحيث جعلت الرقيب أذنه غنيًّا عن رؤية العين لحصول العلم اليقيني عنده. (وقرأ بعض الظرفاء : خُلُدًا، بضم الخاء واللام وهو حيوان يرى ويسمع صوت القافلة من فراسخ) وعلى هذا معناه : صارت أذنه أذن الخلد بحيث تسمع أحاديث نفسي (وحذف الأذن وجعل أذنه عين الخلد للمبالغة).