آخر الأخبار

جاري التحميل ...

النفحات الإلهية في كيفية سلوك الطريقة المحمدية (6)

وأما الخروج عن الذنوب والتخلص منها :

فاعلم أن الذنوب في الجملة ثلاثة أقسام :

أحدها : ترك واجبات وجبها الله عليك من صلاة وصوم وزكاة وكفارة أو غيرها فتقضي ما أمكنك منها.

والثاني : ذنوب بينك وبين الله كشرب الخمر والزنا وضرب المزامير وأكل الربا ونحو ذلك، فتندم على ذلك وتوطن قلبك على ترك العود إلى مثلها أبدا.

والثالث : ذنوب بينك وبين العباد وهذا أشكل وأصعب وهي أقسام قد تكون في المال، وفي النفس، وفي العرض، وفي الحرمة، وفي الدين.

 أما ما كان في المال فيجب أن ترده على صاحبه إن أمكنك، فإن عجزت عن ذلك لعدمٍ وفقرٍ فتستحل منه، وإن عجزتَ عن ذلك لغيبة الرجل أو موته وأمكن التصدق عنه فافعل، وإن لم يمكن فعليك بتكثير حسناتك والرجوع إلى الله بالتضرع والابتهال أن يرضيه عنك يوم القيامة. 

وأما في النفس فتمَكّنه من القصاص أو أولياءه حتى يقتصَّ منك أو يجعلك في حلٍّ، فإن عجزت فالرجوع إلى الله والابتهال إليه أن يرضيه عنك يوم القيلمة. 

وأما ما كان في العِرض بأن اغتبتَه أو بهتَّه أو شتمته فحقك أن تكذّب نفسك بين يدي من فعلت ذلك عنده وأن تستحل من صاحبه إن أمكنك هذا؛ إذا لم تخش زيادة غضب وهيجان فتنة في إظهار ذلك وتجديده، فإن خشيت ذلك فالرجوع إلى الله ليرضيه عنك والاستغفار الكثير لصاحبه. 

وأما ماكان في الحرمة بأن خنته في أهله وولده ونحو ذلك؛ فلا وجه للاستحلال والاظهار يولِّد فتنة وغيظا، بل تضرع إلى الله سبحانه وتعالى ليرضيه عنك، ويجعل له خيرا كثيرا في مقابلته، وإن أمنت الفتنة والهيجان وهو نادر فتستحل منه. 

وأما ما كان في الدين بأن كفّرته أو بدّعته وضلّلته فهو أصعب الأمر فتحتاج إلى تكذيب نفسك بين يدي من قلتَ ذلك له، وأن تستحل من صاحبك ما أمكنك، وإلا فالابتهال إلى الله جدًّا ولتندم على ذلك ليرضيه عنك. 

وجملة الأمر فما أمكنك من إرضاء الخصوم عملتَ، وما لم يمكنك رجعت إلى الله سبحانه والتضرع والصدق ليرضيه عنك فيكون ذلك في مشيئة الله سبحانه يوم القيامة والرجاء منه بفضله العظيم وإحسانه العميم فإنه إذا علم الصدق من قلب العبد أرضى خصماءه من خزانة فضله وهو الحكيم العليم.

فإذا علمت بما وصفناه وبرّأت القلب عن اختيار مثلها في المستقبل، فقد خرجت من الذنوب كلها، وإن حصلت منك تبرءة القلب ولم يحصل منك قضاء الفوائت وإرضاء الخصوم فالتبعات لازمة وسائر الذنوب مغفورة، ولهذا الباب شرح يطول ولا تحتمله هذه المجموعة، ولنقصر على كلام أهل الله ونذكر طرفاً منه تبركاً وتبصرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، لعله يصادف مريدا فريد، ليكون مرادًا لا مريد.

عن الأستاذ أبي إسحاق الأسفراني رحمه الله وكان من الراسخين في العلم العاملين به أنه قال : "دعوتُ الله سبحانه ثلاثين سنة أن يرزقني توبة نصوحا ثم تعجبتُ في نفسي، وقلت : سبحان الله حاجةً دعوتُ الله فيها ثلاثين سنة فما قضيت إلى الآن، فرأيتُ فيما يرى النائم كأنَّ قائلا يقول لي : تعجبت من ذلك ! أتدري ماذا سألت الله سبحانه إنما تسأل الله أن يُحبَّك، أما سمعتَ قوله جل جلاله : { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} أهذه حاجة هيِّنة ؟ فانظر هؤلاء الأئمة واهتمامهم ومواظبتهم على صلاح قلوبهم والتزود لمعادهم". وقال ذو النون : "حقيقة التوبة أن تضيق عليك الأرض بما رحبت حتى لا يكون لك قرار وتضيق عليك نفسك". قال الله تعالى في كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع ، وهلال بن أمية حين تخلَّفوا عن غزوة تبوك فهجرهم النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون خمسين صباحا ثم جاءت توبتهم بقوله :{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }والتائب دائم التأسف، كثير التلهف، يعرف من بين أمثاله بذبوله، ويستدل على حاله بنحوله، وقال رجل لرابعة العدوية رضي الله عنها : "إني كثير الذنوب فإن تبتُ هل يتوب الله علي ؟ قالت : لا بل إن تاب الله عليك تبتَ" قال يحيى بن معاذ : "ذنب واحد بعد توبة أقبح من سبعين ذنبا قبلها".

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية