آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

أساس التصوف وتطوره

أساس التصوف وتطوره

أطلق لفظ الصوفي والمتصوف بادئ الأمر مرادفا للزاهد والعابد والفقير، ولم يكن لهذه الألفاظ معنى يزيد على شدة العناية بأمر الدين ومراعاة أحكام الشريعة فإن الفقر والزهد ولبس الصوف مظهر ذلك.

وكانت أحكام الشريعة تتلقى من صدور الرجال لا فرق بين عباداتها ومعاملاتها وعقائدها، ثم تحدث الناس في الأمور الدينية على نظام علمي، ونشأ التدوين فكان أول ما توجهت إليه الهمم وانصرفت إليه الأفكار علم الشريعة بمعنى الأحكام العملية حتى لحسب الناس أن الاشتغال بهذا العلم والعمل به هو غاية الدين.

هنالك تطور معنى التصوف إلى ما يناسب الكمال في الدين الذي وضع له اللفظ أوَّلًا وأدى هذا الطموح إلى نشأة علم دينى إلى جانب العلم الفقهى.

وفي مختصر جامع بيان العلم وفضله لأبي عمر يوسف بن عبد البر النمرى القرطبي المتوفى سنة 463 هـ:"وقال سفيان: كتب ابن منبه إلى مكحول : "إنك امرؤ قد أصبت فيما ظهر من علم الإسلام شرفًا، فاطلب بما بطن من علم الإسلام عند الله محبة وزلفى، وأعلم أن إحدى المحبتين سوف يمنع منك الأخرى".

وانقسم علم الشريعة إلى قسمين : علم يدل ويدعو إلى الأعمال الظاهرة التي تجرى على الجوارح والأعضاء الجسمية وهي العبادات كالطهارة والصلاة والزكاة والصوم إلى آخره، وأحكام المعاملات كالحدود والزواج والطلاق، والعتق والبيوع والفرائض والقصاص، وسمى هذا العلم علم الفقه وهو مخصوص بالفقهاء وأهل الفتيا في العبادات والمعاملات.

والثاني- علم يدل على الأعمال الباطنة ويدعو إليها والأعمال الباطنة هي أعمال القلوب، وسمى هذا العلم الثاني علم التصوف، وسمى المتصوفون أنفسهم أرباب الحقائق وأهل الباطن، وسموا من عداهم أهل ظواهر وأهل رسوم.

وأهل الرسوم طائفتان القرّاء، والفقهاء؛ فالقراء هم أهل التنسك والتعبد سواء أكانوا يقرءون القرآن أم لا يقرءون، وهمتهم مقصورة على ظاهر العبادة دون أرواح المعارف وأعمال القلوب.

والفقهاء هم المشتغلون بالفتيا وعلوم الشريعة، وهؤلاء عند الصوفية أهل رسوم، ففريق مع رسوم العلم، وفريق مع رسوم العبادة.
ويلخص الشيخ حمزة القادري بودشيش في أن التصوف :{ أخلاق وأذواق وأشواق}.

وبذلك يتبين أن أولى خطوات التصوف في سبيل التكون العلمي كانت عبارة عن نشأة علم الأخلاق الإسلامي.

وهذا التدرج في معنى التصوف طبيعى بسيط لا تبدو فيه دلائل تأثير خارج عن العبادات الإسلامية ولا جهد المفكرين في فهم معانيها وآثارها الروحية واتصالها بالقلوب.

ثم اتسعت أنظار الباحثين في العلوم الدينية ودقت وترامت هممهم إلى الكلام في أصول الدين بعقولهم، ولطفت أذواق المراقبين منهم لمعانى العبادات وحركات القلوب، فأخذ التصوف يتسامى إلى نظرية خاصة في المعرفة وسبيل الوصول إليها، وهذه النظرية على ما بينه الغزالى في كتاب إحياء علوم الدين هي: "السعادة التي وعد الله بها المتقين هي المعرفة والتوحيد، والمعرفة هي معرفة حضرة الربوبية المحيطة بكل الموجودات، إذ ليس في الوجود شيء سوى الله تعالى وأفعاله، والكون كله من أفعاله.

فما يتجلى من ذلك للقلب هو الجنة بعينها عند قوم وهو سبب استحقاق الجنة عند أهل الحق, وتكون سعة نصيب الإنسان من الجنة بحسب سعة معرفته وبمقدار ما يتجلى له من الله وصفاته وأفعاله. وإنما مراد الطاعات كلها وأعمال الجوارح تصفية القلب وتزكيته وجلاؤه.

وهذه المعرفة تحصل للإنسان من وجهين: أحدهما: طريق الاستدلال والتعلم ويسمى اعتبارًا واستبصارًا ويختص به العلماء والحكماء.

والثاني: مالا يكون بطريق التعلم ولا الاستدلال، ولكنه يهجم على القلب كأنه ألقى فيه من حيث لا يدرى.

وهو ينقسم إلى ما لا يدرى العبد كيف حصل له، ومن أين حصل، وإلى ما يطلع معه على السبب الذي استفاد منه ذلك العلم، وهو مشاهدة الملك الملقى في القلب، على أنه في الحالين موقن بأن العلم جاءه من الله، والعلم في الحالين بواسطة الملك، فإن العلم إنما يحصل في قلوبنا بواسطة الملك.

والأول يسمى إلهامًا ونفثًا في الروع، ويختص به الأولياء. والثاني وحيًا ويختص به الأنبياء.

وأهل التصوف يؤثرون العلوم الإلهامية دون التعليمية، ويعدونها المعرفة الحقيقية والمشاهدة اليقينية التي يستحيل معها إمكان الخطأ.

ولذلك لم يحرصوا على دراسة العلم وتحصيل ما صنفه المصنفون، والبحث عن الأقاويل والأدلة، بل قالوا إن الطريق إلى تحصيل تلك الدرجة بتقديم المجاهدة، ومحو الصفات المذمومة, وقطع العلائق كلها، والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى .. فطريق الصوفية يرجع إلى تطهير محض وتصفية وجلاء ومحاسبة للنفس ثم استعداد وانتظار للتجلى".

والمريد في مجاهدته وعبادته لا بد أن تنشأ له عن كل مجاهدة حالة نفسية نتيجة لتلك المجاهدة. المسماة بلسان أهل التصوف المقامات والأحوال. ولا يزال المريد يترقى من مقام إلى مقام، إلى أن ينتهي إلى التوحيد والمعرفة التي هي الغاية المطلوبة للسعادة. قال صلى الله عليه وسلم : (مَنْ مَاتَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله دَخَلَ الجَنَّةَ) فالمريد لا بد له من الترقي في هذه الأطوار، وأصلها كلها الطاعة والاخلاص، ويتقدمها الايمان ويصاحبها، وتنشأ عنها الأحوال والصفات نتائج وثمرات ثم تنشأ عنها أخرى وأخرى إلى مقام التوحيد والعرفان.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق