آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الخطاب الرّوحي في الأدب الصوفي -48


الخمرة :


اعتمد الصوفية على شعر الخمرة، وراحوا يتمثلون به لنقل أحوالهم ومواجيدهم، وهم يستعيرون أساليبه ومعانيه، وينسجون أشعارهم على غرارها، وأدخلوا بعضا من الألفاظ والمصطلحات على هذا الغرض الوجداني، مثل الصحو والسكر والذوق والشرب والقرب والبعد والمحق والسحق والمحق والدنان والحان والنديم ... ومن نماذج ذلك نذكر :

شَرِبْنَا على ذكْرِ الحبيبِ مُدامَةً
سكِرْنَا بها من قبل أن يُخلق الكَرْمُ

لها البدرُ كأسٌ وهيَ شمسٌ يُدِيرُهَا
هلالٌ وكم يبدو إذا مُزِجَتْ نَجم

ولولا شذَاها ما اهتدَيتُ لِحانِها
ولولا سَناها ما تصَوّرها الوَهْمُ

ولم يُبْقِ منها الدّهْرُ غيرَ حُشاشَةٍ
كأنّ خَفاها في صُدور النُّهى كتْم

فإن ذُكرَتْ في الحَيّ أصبحَ أهلُهُ
نَشاوى ولا عارٌ عليهمْ ولا إثم

ومِنْ بينِ أحشاء الدّنانِ تصاعدتْ
ولم يَبْقَ منها في الحقيقة إلاّ اسمُ

ويقول أحمد بن عجيبة الحسني :

سقاني حبيبي من مدامة حبه 
 فأصبحت من خمر الهوى أتضَلَّعُ

فلما سقاني زاد منه تعطشي
 فكان فؤادي بالجوى يتقطَّعُ

فلو أن الكون عرشه مع رشفه
كؤوس خمر الحب ما أنا قانعُ

ولو عشت في الكونين أسقى من الهوى
 على عدد الأنفاس كا أنا شابعُ

صحا الناس من سكر الحبيب وأفرقوا
وإني على الصهباء في الحان جامعُ

و لي لوعة بالراح اذ فيه راحتي
وروحي وريحاني وخيره واسعُ

سكرنا فهمنا في بهاء جماله
وغبنا عن الاحساس والنور ساطعُ

الطبيعة :


الصوفي بروحانيته في ديمومة اتصال بينه وبين خالقه، يُسرِّح طرفه في بديع صنع الله متلمساً آثار الخلق والإبداع، قال تعالى : {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ}[الغاشية: 17: 22]

والطبيعة سجل مفتوح، اتخذ منه الصوفية ميداناً لتعظيم الخالق، وهم أهل السياحة والخلوات، فكانوا يرون بعين البصيرة كل هدهدة نسمة أو حفيف ورقة إلا وفيه إشارة ربانية، يترجمونها إلى سلوكات روحانية تعبدية تبعث فيهم شحنة الوصال، والحنين إلى مناجاة الخالق، فراحوا يتفننون في وصف هذه البدائع وأثرها في نفوسهم عن طريق لغة شعرية مشحونة بالدلالة والرمز، معبرة عن أذواقهم ومواجيدهم وأحوالهم ومقاماتهم.

قال ابن عربي في وصف الطبيعة :

عيونُ الزهرِ يبدو من خباها 
 لناظرِ مقلتي الزهر الأنيق
إذا ما ساعدتها الشمس فيه 
 تراهُ بعدَ نومتهِ يفيقُ
أفاقتْ لأمرٍ فيهِ سرٌّ 
 فؤادُ الطالبينَ لهُ مشوقُ
يرومُ المجنون له حصولاً 
 إذا تُزجى الزَّعازعُ أو تسوق
إذا النجم الرجيم رمى نهارًا
فذاك النجم ليس حريق
فإن الشمسَ أقوى منه فعلاً 
 ودمع الزمهرير له طليقُ
فيطفئهُ ويسلمُ منهُ ريحٌ 
 ويحكمُ أنَّه فيهِ غريقُ
وذاك الانقضاضُ لنا شهيد 
 على ما قلته برٌّ صدوقُ

ويقول أبو الحسن الششتري :

لاَ تَـلْتـفِـتْ بـاللهِ يـا نـاظري
لاهــيــف كــالغــصــنِ النّــاضــرِ
مـا السـربُ والبـانُ ومـا لعلعٌ
مـا الخَـيـفُ مـا ظبيُ بني عامرِ
يا قلب واصرف عنك وهم النقا
وخَــلّ عــن ســرب حــمــى حــاجــرِ
جـــمَـــالُ مَــنْ سَــمّــيــتَهُ داثِــرُ
مَــا حَـاجـةُ العَـاقِـلِ بـالدّاثـرِ
وَانّـــمـــا مَــطْــلبــه فــي الَّذي
هَـام الْوَرَى فِـي حُـسْـنه الّبَاهرِ
فـالشـعـث والغـبر وكمثلي أنا
أفــنـى مـن أجـل الأول الآخـرِ
أفــادَ لِلشْـمـس السَّنـَا مـثـلمَـا
أعــــاره للقــــمــــر الزاهــــرِ
أصــبـحـت فـيـه مُـغـرمـا حـائرا
لله دَرُّ المــــغْــــرم الحْــــائرِ

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية