آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الوئام بين الأديان

 


لا بد من الوضوح في اسبوع الوئام بين الأديان !! 


قال تعالى : "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ       " 


في عام ٢٠١٠ ميلادي يعني قبل خمسة عشر عاما من الان جلالة الملك عبدالله الثاني وفي مقر الأمم المتحده يطلب القبول بمبادرة " الوئام بين الأديان ، وقد وافق مقر الأمم المتحدة على المقترح بالإجماع  ، بأن يكون الأسبوع الأول من فبراير اسبوعاً للوئام بين الأديان . 


في وقت تتعالى فيه أصوات الكراهية والعنصرية والتفتيت العرقي والديني والمذهبي لا بد من صوت الإنسان صوت الحب والكرامة والعدل والعفة والرحمة . 


إنما جعل الدين لكي يزيد الإنسان طمأنينة وراحة وهدى . 


لكن دعوات التطرف تأبى إلا أن تجعل من الدين محلا لإشعال الحروب والفتن . 


إن الحديث عن الوئام بين الأديان لا يعني أبدا " وحدة الاديان " أو ذوبانها مع بعضها ، وإنما المقصود بكل صراحة ووضوح بناء علاقة من الاحترام المتبادل وقبول الآخر لبناء الأوطان والإنسان . 


إن التمايز بين بني آدم في أديانهم ومذاهبهم لا يعني التنكر لهم ولوحدتهم الإنسانية التي أقرها القرآن مرارا وتكرارا عندما قال تعالى :" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ، واحِدَةٍ


هذه النظرة الشمولية القرآنية للإنسان ، تدعو إلى منهجية متوازنة في التعامل مع الآخر . 


لا يجوز أن نربط التعايش مع الآخر بمدى توافقه مع ديني ومذهبي او فكري ، بل إن التعايش مصطلح إنساني بمعنى حيثما وجد الإنسان لا بد ان نؤمن بالتعايش معه ضمن القيم الأخلاقية الدينية .

 

لذا اهتمّ العلماء قديما وحديثا بتزكية النفس البشرية ، ومعرفتها ، كما فعل ابن حزم في كتاب الفصل " ثم كتب رسالة بعنوان " معرفة النفس بغيرها وجهلها بذاتها " ثم كتابه " مداواة النفوس " وجهود الغزالي جبارة في هذا الباب ، والرازي ، والتفتازاني ، وابن رشد . 


وقد ارتبطت المشكلة العقدية عند المتكلمين بالنتاج الأخلاقي ، لذا لا تستغرب عندما تجد بعضا من المفكرين قد افردوا أبحاثا عن الفلسفة الأخلاقية عند المتكلمين سواء كانوا أشاعرة او معتزلة ، فيرون أن الحديث عن الإرادة والحرية والعدل والتكليف والوعد والوعيد في نهاية المطاف لها علاقة وطيدة بالحديث عن الأخلاق . 


وكما لا يخفى فإن الاهتمام بالنفس والتزكية ومعرفة أغوارها وكيفية إصلاحها صار علما خاصا في الإسلام تحت مفهوم تزكية النفس . 


لم نسرد لك ما مضى إلا لنقول : 


إن الإسلام بجميع مذاهبه وفرقه يدعو إلى الأنسنة ، ويمكننا أن نرتكز عليها للعمل على أنسنة الخطاب الديني سواء كان كلاميا ناهيك عن الوعظي منه !!! وهذا قد يكون مشروعا تقدميا للعمل عليه ان شاء الله تعالى . 


إن الدعوة إلى الوئام الديني هي نداء للتعايش مع الآخر فهو إما أخ لك في الدين او نظير لك في الخلق . 


وما دمنا نتحدث بوضوح علينا ان نقول : 


إن الاعتراف بين الأديان لا يجعلنا  نقول بتساويها ، وإن كان هناك بعض الباحثين يرون  الأديان أخلاق ، وعليه هي متساوية !!! 


وهذا غير صحيح ! 


إذ الدين فيه ركن أساسي هو الأخلاق ولكن ليس كل الدين أخلاق ، ففيه عقيدة وشريعة ، لكن علينا أن ندرك هنا أن التفاضل بين الأديان لا يستلزم التفاوت في التعامل بين أتباع الأديان . 


في الختام : 


إن القرآن الكريم اعترف بوجود أتباع الأديان ،قال تعالى :". إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ


بعيدا عن كونهم على حق أو باطل ، فالقرآن اعترف بوجودهم ، والاعتراف بالوجود يتبعه الاعتراف بالحقوق والواجبات . 


وقال تعالى : " لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ".  


والرسول عليه الصلاة والسلام كان معه في المدينة المنوره آخرين ومع ذلك كانت محفوظة أموالهم وأعراضهم . 


وطرده لفئة منهم من المدينة لم يكن سببها الدين وإنما ما تلبسوا به من الخيانة . 


نؤكد وبكل وضوح " الوئام بين الاديان " ليس دعوة لوحدتها وذوبانها ، وليس دعوة لمساواتها فيما بينها ، وإنما هي دعوة للاحترام والتعاون والعمل على المشتركات في ظل ما يشهده العالم من تزايد وتيرة الكراهية والأحقاد . 


كتبه : 

د. ربيع العايدي / محاضر في الجامعة الأردنية / كلية الشريعة 

محاضر في جامعة الزرقاء / كلية الاداب

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية