إنَّ الصُّحبَةَ الصَّالِحَةَ قِسْمَانِ:
القِسمُ الأوَّلُ: الصُّحبَةُ حُبًّا للهِ
وهي الصُّحبَةُ الخالِصَةُ لوجهِ اللهِ الكريمِ، وقد ورد في الحديثِ أنّها مِن بَينِ السَّبْعَةِ الذينَ يُظلُّهم اللهُ في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ.
إنَّ للصُّحبَةِ التي أُسِّسَت على مَحبَّةِ اللهِ مَقامًا عظيمًا، حتَّى إنَّ اللهَ تعالى ذَكَرَها في كتابِه العزيزِ بأبلَغِ وَصفٍ، فقال جلَّ شأنُه:
{إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40]
حيثُ يُبَشِّرُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صاحبهُ سَيِّدَنا أبي بكرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه بما فيه من ثِقةٍ باللهِ ويَقِينٍ بنصرِه.
وقد ورد عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قوله:
الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ».
فهذه وصيَّةٌ نَبَوِيَّةٌ تُلِحُّ على اختيارِ الصاحبِ قبل الطريقِ، لأنَّ الصُّحبَةَ إمّا أن ترفعكَ إلى اللهِ، وإمّا أن تحجُبَكَ عنه.
بل إنَّ ثوابَ الصُّحبَةِ الخالِصَةِ يبلغ أعظمَ المراتبِ، حتَّى ولو قصَّرَ العبدُ في العبادةِ، فقد قال صلى الله عليه وسلم:
«الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ».
فانظُرُوا إلى هذه الرِّفعةِ بحسنِ القصدِ وصِدقِ المَحبَّةِ!
القِسمُ الثَّانِي: الصُّحبَةُ لِغَرَضٍ مَعرِفِيٍّ رَبَّانِيٍّ
وهي صُحبَةُ الشيخِ المُرَبِّي، التي يُرادُ بها التَّهذيبُ والتَّزكِيَةُ والتَّرَقِّي في مَعارفِ القُربِ الإلهيِّ، ولها شروطُها المعروفةُ عند أهلِ العلم.فمَن تحقَّقت فيه هذه الشروطُ، واستعدَّ للتربيةِ، سُمِّيَ مُرِيدًا وشرعَ في رحلةِ السَّيرِ إلى اللهِ، سائِلًا المولى أن يهديه صراطَه المستقيمَ.
أثرُ الصُّحبَةِ على المريدِ
قال شيخُنا سيدي جمال الدِّين القادِري البودشيشي، حفظه الله تعالى:إنَّ أحدَ المريدين سألَ شيخهُ سيدي الحاجِّ العبَّاس رضي الله عنه: “يا سيدي، أراكم تُغيِّرون الأورادَ لجميعِ الفقراءِ، إلَّا أنا!”
فقال له الشيخُ العارفُ باللهِ: “دَعْهُم يصلوا إلى المحبَّةِ التي مَنَّ اللهُ بها عليك”.
فمَن نالَ المحبَّةَ الإلهيةَ فقد أُعطيَ ما يسعى إليه السالكونَ بالذِّكرِ والوردِ والمجاهدةِ.
فالأورادُ طريقٌ إلى الباب، أمّا المحبَّةُ فدخولٌ على صاحبِ الباب.
قواعدُ الصُّحبَةِ
- صُحبَةُ المحبَّةِ في اللهِ لا تُطالب وصيةً ولا إذنًا، فهي صُحبَةُ الأرواحِ الصادقةِ التي تجتمعُ على ذِكرِ اللهِ ومحبَّتِه.
- صُحبَةُ التربيةِ والسُّلوكِ لا تُثمرُ إلَّا بإذنٍ صريحٍ وسِرٍّ موروثٍ وتزكيةٍ ربَّانيةٍ تُوصِلُ المريدَ إلى مقامِ القربِ على يدِ شيخٍ ربّانيٍّ عارفٍ باللهِ.
نموذجُنا مع الشيخِ سيدي معاذ
وهذا ديدَنُنا مع الشيخِ سيدي معاذٍ - حفظه الله تعالى:
أحببناه محبَّةً خالصةً لوجهِ الله، فاتخذناه صاحبًا قبل أن نتخذه شيخًا مُرَبِّيًا.
اللَّهُمَّ اجعلنا من أهلِ الصُّحبَةِ الصَّالِحَةِ، وارزُقنا محبتكَ، وسِرْنَا على هُدى أوليائكَ، وبلِّغْنا مراتبَ القربِ عندكَ، آمين