آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

شرح قصيدة المنفرجة-7




وَرِضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ حِجَا * فَعَلَى مَرْكُوزَتِهِ فَعُجِ.


· الرِّضَا – مَقْصُورٌ مَكْسُورٌ – الأَوَّلُ: قَبُولُ مَا يَرِدُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى.

· وَ الحِجَا: العَقْلُ، وَمَرْكَزُ الدَّائِرَةِ.

· وَ مَرْكُوزَتُهَا: وَسَطُهَا.

· وَ عَاجَ عَلَيْهِ عَوْجًا أَيْ: عَطَفَ.

· وَ قَضَاءُ اللَّهِ: صَنْعُهُ وَتَقْدِيرُهُ.

وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ القَضَاءَ وُجُودُ جَمِيعِ المَخْلُوقَاتِ فِي الكِتَابِ المُبِينِ وَاللَّوْحِ المَحْفُوظِ مُجْمَلَةً عَلَى سَبِيلِ الإِبْدَاعِ.

وَ التَّقْدِيرُ عِبَارَةٌ عَنْ وُجُودِهَا مُنَزَّلَةً فِي الأَعْيَانِ بَعْدَ حُصُولِ شَرَائِطِهَا مُفَصَّلَةً وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾، أَيْ: أَبْرَزَهُ عَلَى مَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ، فَجَاءَ الوُجُودُ الخَارِجِيُّ عَلَى وَفْقِ الوُجُودِ العِلْمِيِّ.

وَقَدْ يُطْلَقُ القَضَاءُ عَلَى الشَّيْءِ المَقْضِيِّ نَفْسِهِ، وَهُوَ الوَاقِعُ، فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ البَلَاءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ القَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ».

وَلَا يَجِبُ الرِّضَا بِهِ عَلَى هَذَا المَعْنَى، وَلِذَلِكَ اسْتَعَاذَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الحَدِيثِ المَذْكُورِ.

بِخِلَافِهِ عَلَى المَعْنَى الأَوَّلِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ الرِّضَا بِهِ، بَلْ مَنْ لَمْ يَتَذَلَّلْ لِرَبِّهِ عِنْدَ نُزُولِ المَلَمَّاتِ، وَيَسْأَلْ مِنْهُ إِقَالَةَ العَثَرَاتِ، فَهُوَ جَبَّارٌ عَنِيدٌ، عَنِ الخَيْرِ وَالفَرَجِ بَعِيدٌ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴾، ذَمَّهُمْ عَلَى تَرْكِ التَّضَرُّعِ فِي كَشْفِ مَا نَزَلَ بِهِمْ.

فَالوَاجِبُ الرِّضَا بِالقَضَاءِ، أَيْ: بِحُكْمِ اللَّهِ وَتَصَرُّفِهِ، وَأَمَّا المَقْضِيُّ فَلَا، إِلَّا إِذَا كَانَ مَطْلُوبًا شَرْعًا كَالإِيمَانِ وَنَحْوِهِ.

وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: «مَنْ لَمْ يَرْضَ بِقَضَائِي، وَلَمْ يَصْبِرْ عَلَى بَلَائِي، وَلَمْ يَشْكُرْ عَلَى نِعْمَائِي، فَلْيَتَّخِذْ إِلَهًا سِوَايَ».

وَذَكَرَ الإِمَامُ أَبُو القَاسِمِ القُشَيْرِيُّ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: «إِلَهِي دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ رَضِيتَ عَلَيَّ»، فَقَالَ: «إِنَّكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ»، فَخَرَّ مُوسَى سَاجِدًا مُتَضَرِّعًا، فَقَالَ: «يَا ابْنَ عِمْرَانَ، رِضَايَ فِي رِضَاكَ بِقَضَائِي».

وَقَالَ نَبِيُّنَا سَيِّدُ المُرْسَلِينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاِبْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لِيَكُنْ هَمُّكَ مَا قَدَّرَ يَكُنْ، وَمَا لَمْ تُرْزَقْ لَمْ يَأْتِكَ».

وَقَالَ بَعْضُ الزُّهَّادِ: «إِذَا كَانَ القَدَرُ حَقًّا فَالهَمُّ فَضْلٌ».

وَقِيلَ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنَّ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ: «الفَقْرُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الغِنَى، وَالسُّقْمُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الصِّحَّةِ»، فَقَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ أَبَا ذَرٍّ، أَمَّا أَنَا فَأَقُولُ: مَنِ اتَّكَلَ عَلَى حُسْنِ اخْتِيَارِ اللَّهِ لَهُ، لَمْ يَتَمَنَّ غَيْرَ مَا اخْتَارَ اللَّهُ لَهُ».

إِذَا عَرَفْتَ هَذَا، فَمَعْنَى البَيْتِ: أَنَّ الرِّضَا لَمَّا كَانَ أَشْرَفَ دَرَجَاتِ العَقْلِ الَّذِي مَنَحَهُ الإِنْسَانُ، وَأَكْرَمَ بِهِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الحَيَوَانِ، وَكَانَ أَجَلَّ المَطَالِبِ الرَّبَّانِيَّةِ؛ فَيَنْبَغِي لِكُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَطْلُبَ أَعْلَاهُ وَأَشْرَفَهُ – الَّذِي مَدَارُ صِحَّةِ الإِيمَانِ عَلَيْهِ – كَمَرْكُوزَةِ الدَّائِرَةِ، وَيَعُوجْ (أَيْ: يَلْتَفِفْ وَيَطْلُبْ) عَلَيْهِ فَيَطْلُبَهُ مِنْ جَمِيعِ أَسْبَابِهِ المُوصِّلَةِ إِلَيْهِ، مِثْلَ عَوَجِ مُحِيطِ الدَّائِرَةِ بِمَرْكِزِهَا.

أول   السابق   التالي




التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية