نفحات الطريق

يعنى الموقع بالتأصيل الشرعي للتصوف المقتبس من مشكاة نور النبوة والتعريف بمقامات وأعلام الصوفية. إلى جانب نشر كتب ورسائل عن التصوف.

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

الأنس عند الصوفية


الأنس : هو فرح وسعادة غامرة تملأ القلب بالمحبوب الذي هو الله ، وهو حال يصل إليه السالك ، معتمداً على الله ، ساكناً إليه ، مستعيناً به . وفي الأنس ترتفع الحشمة وتبقى الهيبة مع الله ، وبذلك يكون الأنس طمأنينة ورضا بالله .
كتب مطرف بن عبد الله بن الشحير إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز كتاباً قال فيه : « ليكن أنسك بالله وانقطاعك إليه ، فإن لله تعالى عباداً استأنسوا بالله فكانوا في وحدتهم أشد استئناساً من الناس في كثرتهم وأوحش ما يكون الناس ، ما آنس يكونون ، وآنس ما يكون الناس أوحش ما يكونون » ...
وقد حكي عن داوود الطائي أن أحد الدراويش رآه مرة مبتسماً فقال له : يا أبا سليمان من أين لك هذا الانشراح ؟
فقال داوود:«أعطوني الصباح شراباً يقال له شراب الأنس ، فاليوم يوم عيد أسلمت نفسي للابتهاج فيه».
ويبين لنا الإمام الغزالي أن الأنس والخوف والشوق من آثار المحبة ، بيد أنها جميعاً تختلف بحسب نظرة المريد الصادق وما يغلب عليه في وقته ، وإذا غلب على حاله الأنس لم تكن له رغبة إلا في العزلة والخسارة والانفراد ، وذلك كما حدث لإبراهيم بن أدهم ، فقد سئل مرة : من أين أقبلت ؟ فقال : من الأنس بالله … ذلك لأن الأنس بالله يلازمه التوحش ، أي شعور بالغربة مع غير الله ، ولهذا فإن أثقل الأشياء على المريد الصادق أن يجد في قلبه ما يعوق تلك الخلوة بالله ، ولذلك يقول أحد الصوفية : « يا من آنسني بذكره ، وأوحشني من خلقه » .
وقال بعض الحكماء : يقول : « عجباً للخلائق كيف أرادوا بك بدلاً ؟ عجباً للقلوب كيف استأنست بسواك عنك ؟ ».

وعلامة الأنس ضيق في الصدر من معاشرة الخلق ، والتبرم منهم ، وعدم الإحساس بعذوبة الذكر في مجلسهم ، وإذا أجتمع الأنس بالناس فهو وحيد مع الجماعة ، وجالس بينهم في وحدة ، كأنه غريب في مدينة ، وحاضر في سفر ، وشاهد في غيبة ، وغائب في حضور ، يخالط الناس بالبدن لكنه منفرد بنفسه وبقلبه ، مستغرق في عذوبة الذكر .
ويروى عن علي بن أبي طالب قوله في وصف أصحاب الأنس بالله : « هم قوم هجم بهم العلم على حقيقة الأمر ، فباشروا روح اليقين ، واستلانوا ما استوعر المترفون ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، صحبوا الدنيا بأبدانهم ، أرواحهم معلقة بالمحل الأعلى ، أولئك خلفاء الله في أرضه ، والدعاة إلى دينه .
هذه هي علامات الأنس بالله ، وهذه حقائقها ومعناها » .

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق