آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الكمال المحمدي

الحمد لله الذى جعل محمداً في السر مظهر الكمال، وحلاه من أوصافه بكل ما تعرَّف به إلينا من الجمال والجلال، وخصّه بالوسيلة فى مقام (أو أدني)، ثم دلاَّه بعد ما ادناه، ليظهر فى العالم بأسمائه الحسني، ومكَّنه من القرب المقدس فى المكانة العليا، وأحلَّه من الجوار المؤنس فى المستوى الأزهى، وجعله فى العالم أُنموذج حضرة الحضرات، ومرآة ظهور حقائق الأسماء والصفات، فأنزل عليه آياته الكريمة ظهراً وبطناً، وعرَّفه بحقائق الأشياء صورة ومعنى. فله الحمد سبحانه أن جعلَه النسخة العظمى لمطلق العدم والوجود، وفتح علي يديه أبواب خزائن الكرم والجود. 

أحمده حَمْدَهُ لنفسه بما يستحقه من كمالات قدسه، وأشكره شكراً متصلاً بالعلياء، متواتراً مع النعماء، بالغاً من الغاية نهاية المكانة الزُّلفى جامعاً لمتفرقات المدح والثناء، مفصحاً عما يستحقه لذاته وأسمائه وصفاته التى كلها حُسّنٌ وحَسْناء.


وأثنى عليه بالحال والمقال؛ ثناء من قام مقام الافتقار والعجز بين يديه، فوكله فى ثنائه عليه، وقال منادياً فى حضرة قدسك: (لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك).
وأشهد أن لا إله إلاَّ الله رب محمد وحقيقته، ذو الوجود المطلق، وأشهد أن محمداً مظهره المحقق ورسوله الحق، صلى الله عليه وآله وأصحابه الذين هم أشرف الخلق وسلم، وشرّف وعظّم ومجّد وكرّم.

أمَّا بعد، ... فلسان الكمال لم يزل منادياَ فى الأكوان بأفصح مقال: هلُمُّوا إلي حقائقكم الإلهية من طريق الجمال والجلال.

فالسعيد من سمع الدعاء، وعلى قرب أجاب النداء، فسلك صراط الصفات والأسماء، والشقي من سلك طريق الحجاب، وعلى بعد من السبل المتفرقة الكونية أجاب. فالرحمة وإن كانت شاملة للكل من حيث رجوع الأمر إلى الله فى الآخر، فقد كانت النقمة نازلة بالضَّالين عن الله باطناً، والمغضوبين عليهم فى الظاهر. فينبغي لأرباب الهمم العلية، والعقول السليمة الوَفية أن يسلكوا مسالك الرجال فى نيل السعادة الكبرى بحصول الحظ الوافر من قرب ذى الجلال. فإن الله خلق هذه النشأة الإنسانية فى أحسن تقويم، وجعلها قابلة لكل وصف عظيم جامعة لكل كمال وجلال وجمال كريم، حاوية لمعانى الأسماء والصفات، ظاهرة فى الوجود مظاهر الذات. ولولا ذلك لما صحَّت لها الخلافة دون سائر المخلوقات، ولا استحقت سجود الملائكة من فوق الأجرام العلويات، ولا عُلَّمت الأسماء كلها بالشمول والإحاطة من كل الجهات، ولا طرد من أجلها من كان مقرباً فى الأزمنة السالفات. فلله در أمرئ عرف نفسه فعرف ربه، وشَمَّر ذيل الاجتهاد فنال قربه، وأنف من صرف نقود أيام العمر فى سوق البطالة، وكره المقام على الضيم فى مذلة الجهالة.
فقد قيل:
ولا يُقيمُ عَلَى ضَيْمٍ يُرَادُ 
 إلا الأَذِلاءُ غيرُ الحَرَّ والوتِدُ
هّذَا عَلى الخَسْفِ مَرْبُوطٌ بِرُمَّتِه 
 وَهّذا يشيخُ فَلا يَرْثَى لَهُ أَحَدُ
ولله دَرُّ نَفَسِ أَبِيَّة، وشيم مرضية قد امتطى نجيب الجد والاجتهاد، وسلك إلى الله طريق الفحول الأفراد، فاقتفى أثر النور الأعظم، والمظهر الأكمل الأفخم، واللسان الأجمع الأفصح الأقوم، والحبيب المقرب المبجل المكرم، نور الأنوار، ومعدن الأسرار، وطرز حلة الفخار، وتاج مملكة التمكين والاقتدار، واسطة عقد النبوة، ولجة زاخر الكرم والفتوة، در صدفة الوجود، ومنبع الفضائل والجود.

الكمالات الإلهية فى الصفات المحمدية

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية