آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

كتاب : الحقيقة القلبية الصوفية / أحمد لسان الحق(5).

وقد أصيب المجتمع الإسلامي اليوم بمن ينعتون بالسلفيين الجدد..خلطوا الأوراق ، وسمموا الأفكار ، وفرّقوا الصفوف ، وحوّلوا مَعنى السلفية المسالمة السمحة الى عراك وجحود ، ونفَخوا فيها روح الجرح والتعديل . وقد بلغ بهم الغرور والجهل بمقوِّمات السلفية الحقيقية ، والتصوف الحقيقي ، إلى درجة أن توهموا أنهم على حق ، ومن ينتسب للتصوف أو يناصره على باطل..فهل الأئمة : ابن تيمية والشاطبي والنووي والشعراني والغزالي والسيوطي والجنيد ، وابن خلدون وابن القيم وابن عربي وابن عابدين وابن عبد السلام وابن عجيبة ، الذين أطّرنا البحث بآرائهم العلمية في الموضوع على باطل ؟ إن من جهلهم وجهالتهم أن توهموا أنهم سنيون والصوفية الملتزمون قبل غيرهم بالكتاب والسنة مبتدعة . في حين أن السلفي الحق الإمام الشاطبي ، لم يثبت أن الصوفية سنيون فحسب، وإنما أكثر من ذلك قد اعتمد على آرائهم في إثبات السنة ودحض البدعة . فهل هؤلاء المتنطعون على أصحاب الحق والحقيقة ، أوْفَى علماً ، وأقوى ايمانا ، وأعلى صِدقا ، وأكثر سلفية من الامامين الشاطبي وابن تيمية ؟.

يقول الإمام الغزالي عن حقيقة الصوفية - وهو أعرف الناس بحقيقتهم -: "الصوفية هم السالكون طريق الحق خاصة ، وأن سيرتهم من أحسن السير ، وطريقهم أصوب الطرق ، وأخلاقهم أزكى الأخلاق . ولو اجتمع عقل العقلاء ، وحكمة الحكماء ، وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء ، ليغَيروا شيئا من سِيرهم ، ويبدلوه بما هو خَير ، لم يجدوا إليه سبيلا ، فإن جميع حركاتهم وسكناتهم ، في ظواهرهم وبواطنهم مقتبسة من نور مشكاة النبوة ، وليس وراء النبوة على وجه الأرض نور يستضاء به".

وفي سلوكهم الظاهري والباطني يتجلى معنى العبودية لله ، والفناء في حقيقته والتخلق بالأخلاق التي ترضيه... وتحقيق العبودية له وحده تعالى ، والاستسلام الكلي لإرادته ، يعني الانعتاق ، والتحرر - باطنيا ونفسيا - من أية عبودية بشرية أو مادية أو هوائية... ومن الخوف من أية قوة غير قوته ، لأن عبده الحقيقي لا يكون عبدا خاضعا لغيره ، ولا يخاف قوة غير قوته ، كما لا يشعر - أخلاقيا - بأي ميزة أو أفضلية على خَلقه ، مع الامتثال لأوامره في مقتضى الشرع ، واحترام القانون ، الذي مظلّة على رأس كل ساكن.

وإذا خلق الله هذا الكون ، الذي يقوم أساسا على المعاني السامية الخالدة ، وأقام فيه تعالى العالمَيْن العُلويّ والسفليّ على قيم الفضائل والأخلاق ، وجعل الإنسان الصالح في الأرض له خليفة ، فعلى قيم الفضائل والأخلاق ، ومقتضى قول النبي صلى الله عليه وسلم : "بُعثتُ لأُتَمِّمَ مَكارِمَ الأخْلاقِ" أقام أصحاب الحقيقة الصوفية عملهم وسلوكهم ، وبها عرَّفوا طريقتهم ، فقال الإمام الجنيد في تعريف التصوف : " التَّصَوُّفِ اسْتِعْمَالُ كُلِّ خُلُقٍ سَنِيٍّ ، وَتَرْكُ كُلِّ خُلُقٍ دَنِئ " ، وقال أحد شُيوخهم : " التصوف كله أخلاق فمن زاد عليك بالأخلاق زاد عليك بالتصوف " وقال الشيخ زكريا الأنصاري : "التصوف علم تعرف به أحوال تزكية النفس، وتصفية الأخلاق، وتعمير الظاهر والباطن، لنيل السعادة الأبدية".

وقال أبو الحسن الشاذلي : "التصوف تدريب النفس على العبودية ، وردِّها لأحكام الربوبية "وقال أحمد بن عجيبة : "التصوف علم يُعرف به كيفية السلوك إلى حضرة ملك الملوك ، وتصفية البواطن من الرذائل ، وتحليتها بأنواع الفضائل ، وأوله علم ، ووسطه عمل ، وآخره موهبة " .وقال أحمد زروق :" التصوف قصِد لإصلاح القلوب ، وإفرادها لله تعالى عما سواه ".

وقالوا في تعريف الصوفي :" الصوفي من صفا قلبه لله ، وصفت لله معاملته فصفت له من الله كرامته" فكان ذلك من حقيقة التصوف ، وقيمته الخلقية. وقد أوضح حاجى خليفة أن علم الحقيقة الصوفية ليس من من نصيب الغافلين والعقلانيين والجاحدين، وإنما من نصيب الذاكرين من أصحاب المشاهدات القلبية والبصائر النيرة المفتوحة ، فقال نظما :

علم التصوف علمٌ ليس يَعرفُه إلا أخو فِطنةٍ بالحَق معروفُ
وليس يعْرفه مَنْ ليس يشهدُه وكيف يَشهدُ ضوءَ الشمسِ مكفوفُ ؟

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق