آخر الأخبار

جاري التحميل ...

تاج العروس الحاوي لتهذيب النفوس - ابن عطاء الله السكندري - (2)

من ظفر بالتوبة ظفر بحب الله تعالى

فأول المقامات التوبة ، ولا يقُبل ما بعدها إلا بها، مثال العبد إذا فعل معصية كالقدِرْ الجديد يُوقد تحتها النار ساعة فتسود ، فإذا بادرت إلى غسلها انغسلت من ذلك السواد ، وإن تركتها وطبخت فيها مرة بعد مرة ثبت السواد فيها حتى تتكسر ، ولا يُفيد غسلها شيئا . 

فالتوبة هي التي تغسل سواد القلب فتبرزُ الأعمال وعليها رائحة القبول ، فاطلب من الله تعالى التوبة دائما فإن ظفرت بها فقد طاب وقتك ، لأنها موهبة من الله تعالى يضعها حيث شاء من عباده . وقد يظفر بها العبد المشقق الأكعاب دون سيده . 

وقد تظفر بها المرأة دون زوجها ، والشاب دون الشيخ ، فإن ظفرت بها فقد أحبك الله لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ وإنما يغتبط بالشيء من يعرف قدره ولو بدرت الياقوت بين الدواب لكان الشعير أحب إليها ، فانظر من أي الفريقين أنت، إن تبت فأنت من المحبوبين ، وإن لم تتب فأنت من الظالمين ، قال تعالى: ( وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) . من تاب ظفر ، ومن لم يتب خسر . ولا تقطع يأسك وتقول : كم أتوب وأنقض . فالمريض يرجو الحياة ما دامت فيه الروح . إذا تاب العبد فرحت به داره من الجنة ، وتفرح السماء والأرض والرسول صلى الله عليه وآله وسلم .

فالحق سبحانه لم يرض أن تكون مُحبا بل محبوبا ، وأين المحبوب من المحب، وأُفٍّ لعبد يعلم إحسان المحسن فيجترىء على معصيته ، ولكن ما عرف إحسانه من آثر عصيانه ، وما عرف قدره من لم يراقبه ، وما ربح من اشتغل بغيره وعلم أن النفس تدعوه إلى الهلكة فتبعها ، وعلم أن القلب يدعوه إلى الرُشد فعصاه ، وعلم قدر المعصي فواجهه بالمعصية - ولو علم اتصافه بعظمته لما قابله بوجود معصيته - وعلم قُرب مولاه وأنه يراه فسارع لما عنه نهاه وعلم أثر الذنب المرتب عليه دنيا وأخرى ، وغيبا وشهادة فما استحيى من ربه ، ولو علم أنه في قبضته لما قابله بمخالفته .

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية