المشاهدة والمعاينة :
المشاهدة رؤية الذات اللطيفة في مظاهر تجلياتها الكثيفة ، فترجع إلى تكثيف اللطيف ، فإذا ترقَّى الوداد ، ورجعت الأنوار الكثيفة لطيفة ، فهي المعاينة ، فترجع إلى تلطيف الكثيف ، فالمعاينة أرق من المشاهدة وأتم . والحاصلُ أن شُهود الذات لا يمكن إلا بواسطة تكثيف أسرارها اللطيفة في مظاهر التّجليات . إذ لا يمكن إدراك اللطيف ما دام لطيفا ، فرؤية التجليات كثيفة المشاهدة ، وردها إلى أصلها بانطباق بحر الأحدية عليها معاينة وقيل : هما سواء.المعرفة:
وهي التمكن من المشاهدة واتصالها ، فهي شهود دائم بقلب هائم ، فلا يشهد إلا مولاه ولا يعرج على أحد سواه ، مع إقامَةِ العدل وحفظ مراسم الشريعة . فهذه حدود المقامات قد انتهت في المعرفة.ثم نرجع إلى حقائق أخرى يكثر استعمالها بداية ونهاية منها:
التقوى:
وهي امتثال الأوامر واجتناب المناكر في الظواهر والسرائر ، أو مواصلة الطاعات والإعراض عن المخالفات ، فتقوى العامة: اجتناب الذنوب وتقوى الخاصة: التخلي عن العيوب ، وتقوى خاصة الخاصة: الغيبة عن السوى بالعكوف في حضرة علام الغيوب.الاستقامة:
استعمال العلم بأقوال الرسول عليه السلام ، وأفعاله وأحواله وأخلاقه من غير تعمق ولا تأنق ولا ميل مع أوهام الوسواس ، والخروج عن المعهودات ، ومفارقة الرسوم والعادات ، والقيام بين يدي الله تعالى على حقيقة الصدق في جميع الحالات ، وهي الأقوال بترك الغيبة ، وفي الأفعال بترك البدعة ، وفي الأحوال بعدم الخروج عن سنن الشريعة . فاستقامة العامة بموافقة السنة ، واستقامة الخاصة بالتخلق بالأخلاق النبوية ، واستقامة خاصة الخاصة بالتخلق بأخلاق الرحمن ، مع الاستغراق في حضرة العِيان.الإخلاص:
إخراج الخلق من معاملة الحق ، وإفراد الحق تعالى في الطاعة بالقصد أو غيبة القلب عن غير الرب . فإخلاص العامة تصفية الأعمال عن ملاحظة المخلوقين ، وإخلاص الخاصة تصفيتها عن طلب العوض في الدارين ، وإخلاص خاصة الخاصة التبري من الحول والقوة ، ومن رؤية الغير في القصد والحركة حتى يكون العمل بالله ، ومن الله ، وإلى الله ، غائباً عما سواه.الصدق:
إسقاط حظوظ النفس في الوِجْهَة إلى الله تعالى تعويلا على ثلج اليقين ، أو استواء الظاهر والباطن في الأقوال والأفعال والأحوال ، وملازمة الكتمان غيرة على أسرار الرحمان ، وحاصله: تصفية الباطن من الإلتفات إلى الغير بالكلية . والفرق بينه وبين الإخلاص ، أن الإخلاص يُنفي الشرك الجلي والخفي ، والصدق ينفي النفاق والمداهنة بالكلية .ْ
فمثال الصدق مع الإخلاص كالشُّحْرَةِ للذهب ، فهو ينفي عنه عوارض النفاق ، ويصفيه من كدورات الأوهام ، وذلك أن صاحب الإخلاص لا يخلوا من مداهنة النفس ومسامحة الهوى ، بخلاف صاحب الصدق ، فإنه يذهب بالمداهنات ، ويرفع المسامحات ، إذ لا يشم رائحة الصدق من داهن نفسه أو غيره فيما َدَّق أو جل. وعلامة الصدق: استواء السر والعلانية ؛ فلا يبالي صاحب الصدق بكشف ما يكره إطلاع الناس عليه ، ولا يستحيي من ظهوره لغيره اكتفاء بعلم الله به . فصِدق العامة: تصفية الأعمال من طلب الأَعْراضِ . وصدق الخاصة: تصفية الأحوال من قصد غير الله . وصدق خاصة الخاصة: تصفية مشرب التوحيد من الالتفات إلى ما سوى الله . ويقال لصاحب المقام الأول: صادق وللثاني والثالث: صدّيق . وأما التصديق بوجود الحق أو بوجود الخصوصية عند الأولياء وتعظيمهم لأجلها ، فهو تصديق لا صدق ، خلاف ما يعتقده بعض فقراء زماننا هذا.
ويقال لمن عظم تصديقه: صِدّيقٌ أيضاً. فالصدّيقُ يطلق على عظم صدقه أو تصديقه.