واعلم يا أخى أن السر فى التلقين إنما هو لارتباط القلوب بعضها إلى بعض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حضرة الله عز وجلَّ، ولذلك كان الإنسان إن لم يقل لا إله إلا الله لا يحكم بإسلامه، ويؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : (لا يؤمن أحدكم حتى تكون هواه تبعاً لؤمَا جِئْتُ به) ونحو ذلك من الأحاديث وأَقَلّ ما يحصل للمريد إذا دخل في سلسلة القوم بالتلقين أن يكون إذا إذا حرَّك حلقة نفسه المنفصلة، تجاوبه أرواح الأولياء من شيخه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حضرة الله عزَّ وجلَّ، فمن لم يدخل في طريقهم بذلك فهو غير معدود منهم ولا يجيبه أحدا إذا حرك حلقة نفسه المنفصلة فافهم.
إذا علمت ذلك، فأقول وبالله التوفيق : روى الطبراني والبزّار وغيرهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم لَقَّنَ أصحابه كلمة "لا إله إلا الله" جماعة وفرادى، فأمّا تلقينهم جماعة، فقال شدّاد بن أوس رضي الله عنه : كنّا عند النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل فيكم غريب ؟ يعني أهل الكتاب، فقلنا : لا يا رسول الله. فأمر بغلق الباب وقال : ارفعوا أيديكم وقولوا "لا إله إلا الله" فرفعنا أيدينا ساعة وقلنا لا إله إلا الله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا فأبشروا فإن الله قد غفر لكم. وأمّا تلقينه صلى الله عليه وسلم لأصحابه فرادى، فقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : سألت رسول الله صلي عليه وسلم. فقلت: يا رسول الله. دلَّني علي أقرب الطرق إلي الله تعالى وأسهلها علي عباده وأفضلها عند الله تعالي. فقال: "يا عليّ عليك بمداومة ذكر الله عز وجل سراً وجهراً" فقال علي: كل الناس ذاكرون. وإنما أريد أن تخصني بشيء فقال: "مَهْ يا عليّ. أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله. ولو أن السموات السبع والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة لرجحت بهم لا إله إلا الله" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا عليّ. لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول: لا إله إلا الله" ثم قال رضي الله عنه: كيف أذكر يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم : "غَمِّض عينيك واسمع منّي لا إله إلا الله ثلاث مرات. ثم قال : قل أنت: لا إله الله ثلاث مرات وأنا أسمع" ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوتَهُ وهو مُغَمِّضٌ عَيْنَيْهِ : "لا إله إلا الله" ثلاث مرات. وعليٌّ يسمع. ثم قال علي رضي الله عنه وهو مُغمِّضٌ عينيه "لا إله إلا الله" ثلاث مرات والنبي يسمع. هذا أصل سند القوم . وإنما أصرَّ صلى الله عليه وسلم بغلق الباب كما تقدّم وقال أفيكم غريب، إشارة إلى طريق القوم مبنيّة على الستر، وأنّه لا ينبغي أن يذكر كلامهم بحضرة مَن ليس من خرقتهم ولا يعتقد فيهم. ومن هنا أنكر بعض العلماء تلقين حسن البصري من علي بن أبي طالب وقال لم لم يبلغنا أنه اجتمع به فضلا عن الأخد عنه . وهذا القول من هذا العالم لا يقدح في طريق العارفين لأن هذا القائل لم يدخل في طريقهم فلو دخلها وسلّم للأشياخ واعتقد فيهم أنهم صادقون فإن ذلك كلمة تواتر فيما بينهم من أنه لا بدّ لكل مَن حقّ له قدم الولاية من الاجتماع برسول الله صلى الله عليه وسلم يقظة ومشافهة، فإن لم يصح ما نقلوه فيه من طريق الوسائط صحّ من طريق الأخد عنه بالفهمن فالله تعالى لا يؤاخد هذا العالم بما قال.
ثم إن علي بن أبي طالب لقّن الحسن البصري، والحسن لقّن داود الطائي، ودود لقّن معروف الكرخي، ومعروف لقّن سري السقطي، وسريّ لقّن أبا القاسم الجنيد، والجنيد لقّن القاضي الرويم، والرويم لقّن محمد بن حنيف الشيرازي، وبن حنيف لقّن أبا العبّاس النهاوندي، والنهاوندي لقّن الشيخ فرج الزنجاني، والشيخ فرج لقن القاضي وجيه الدين، ووجيه الدين لقّن أبا نجيب السهروردي، والسهروردي لقّن الشيخ نجيب الدين بن غوث الشيرازي، وابن غوث لقّن الشيخ عبد الصمد النظزي، والشيخ عبد الصمد لقّن الشيخ حسن الشمشيري، والشيخ حسن لقّن الشيخ نجم الدين محمود الأصفهاني، والشيخ محمود لقّن الشيخ يوسف العجم الكوراني، والشيخ يوسف لقّن سيّدي الشيخ محمد حسن التستري، وسيّدي حسن لقّن الشيخ الشيخ سيدي شهاب الدين أحمد الزاهد، وسيدي أحمد الزاهد لقّن سيدي الشيخ العارف بالله تعالى سيدي مدين، وسيدي مدين لقّن سيدي الشيخ محمد ولد أخته، وسيدي محمد لقّن سيدي الشيخ محمد أب الحمايل السروي، وسيدي محمد السروي لقّن شيخنا وقدوتنا إلى الله تعالى سيدي الشيخ محمد الشناوي، والشيخ محمد الشناوي لقّن شيخنا وقدوتنا إلى الله تعالى مؤلف هذه الرسالة الشيخ عبد الوهاب الشعراني بن أحمد بن علي الأنصاري رضي الله عنهم أجمعين.