آخر الأخبار

جاري التحميل ...

كتاب : المُعْزى في مناقب الشيخ أبي يَعْزى -18



الباب الثالث 

فيما له رضي الله عنه الكرامات وما رُوي عنه من خَوارق العَادات 

فـي الحيـاة وبعـد الممـات 


قد روى أبو العباس زَروق رضي الله عنه : إن أبو يعزى كراماته بعد مماته كمثل حياته. 

وقال أبو العباس بن عاشر رضي الله عنه : الكرامات لا تنقطع بموت الولي، وهذا أبو العباس السبتي كراماته بعد موته أشهر من حياته. 
قال أبو العباس زروق: لما تكلم عن الزيارة, لاسيَّما من ظهرت كراماته بعد مماته أكثر من حياته؛ كالشيخ أبي العباس السبتى.ومن ظهرت كراماته في حياته ومماته سواء؛ كالشيخ أبي يعزى. واعلم أن هذا الإمام ممن بلغت كراماته حد التواتر. 

قال الشيخ أبو العباس العزفي: في تعريفه بهذا الإمام رضي الله عنه : سمعت الفقيه الفاضل أستاذ الأستاذين، وآخر المتكلمين: أبا عبد الله محمد بن عبد الله الفندلاوي عُرف بابن الكتَّاني يقول: وقد جرى ذكر سيدي أبي يعزى, وذكر ولايته, وانتشار كراماته. قال: وما نعلم وليًّا من أولياء الله تعالى ثبتت كراماته بالتواتر إلا هذا الشيخ المبارك: سيدي أبي يعزى. قلت: وسيدي: عبد القادر الجيلاني, كما نبَّه عليه الإمام ابن حجر, وابن عبد السلام عز الدين المصري، وسيدي: أبي العباس السبتي, كما نبه عليه سيدي: أبي العباس زرُّوق، وكما نبه عليه سيدي محمد بن يوسف السنوسي في موضع آخر غير هذا. 

قال أبو على الصواف: سمعت أبا مدين يقول: رأيت أخبار الصالحين من أويس القرني إلى زماننا هذا, فما رأيت أعجب من أخبار أبي يعزى. 
وقال: نظرت في كتب التصوُّف, فما رأيت مثل الإحياء للغزالي, قال: وسمعت الشيخ أبا العباس أحمد بن إبراهيم الأزدي يقول: سمعت أبا عبد الله الكتاني يقول: نُقلت كرامات أبي يعزى نقل التواتر، وذكره الشيخ أبو الصبر أيوب بن عبد الله الفهري, قال: رأيت الشيخ، أو قال: لقيت الشيخ الزاهد الرفيع آية وقته أبا يعزى آل النور؛ وكان أعجوبة الزمان، وعدة للأمان. 
بلغ من مقامات اليقين مبلغًا لا يبلغه إلا الأفراد من العارفين, وهذا اللفظ قدَّمناه في الباب الأول من التعريف باسمه ومجاهدته, ثم قال: واشتهر عنه من الكرامات ما وقع موقع العيان، وشهر شهرتها، ولولا مخافة إنكار البطّالين المنكرين من المريدين؛ لأوردنا بعض ما شهدنا من الكرامات ما يعرفه المحققون ويرتاح بسماعه المتقون. 
قال أبو يعقوب بن الزيات: سمعت أبا العباس أحمد بن إبراهيم الأزدي يقول: سمعت أبا الصبر أيوب بن عبد الله يقول: سمعت أبا يعزى يقول: ما لهؤلاء المنكرين لكرامات الأولياء! والله لو كنت قريبًا من البحر؛ لأريتهم المشيَّ على الماء عيانًا. 

واعلم أعزك الله أن هذا الإمام ممن اتفقت العلماء على كراماته وولايته، وقد شهدنا له من ذلك كثيرًا رضي الله عنه. 

فمن بعض ذلك: أني كنت قبل الوباء الذى كان عام أربع وستين هـ، وكنت أعلِّم الصبيان، وأُقريء جماعةً من الطلبة ما يقرب في جملتهم من الثمانين إلى المائة بين الصبيان, والطلبة الغرباء الواردين, وأهل المنـزل, قالت نفسي: إن الوصول إلى مقامات الصّدِّيقين والعارفين؛ إنما هو بالخروج من هذا الأمر، وإنك تنـزل إلى السواحل، فعزمت على أنى أخرج وأجّد، وعزمت على طلاق الزوجة، فبعثت إليها مع عدلين صديقين كانا على محبتي ومودتي.  فقالت لهما: وما ذنبي حتى يطلقني؟، فقال لها: إنما أراد أن يذهب؛ لينقطع لطاعة ربه ولعبادته. فقالت لهما: إن كان هذا قصده فأنا طلَّقته لوجه الله، وصبرت عليه يعمل بنفسه ما شاء، وأنا أجلس أشتغل لما يعينني, حتى يقضي الله في أمري وأمره ما شاء, فلما كان اليوم الذى عزَمت على الخروج؛ أصابني كسلٌ في بدني، وأخذني نومٌ، فطرحت نفسي، فلما جاز علي بعضُ النوم ولم أستغرق, وإذا بأسودين أعظم ما يكون، وأنا كأني في موضعٍ مرتفعٍ؛ كأنه منارٌ وأنا في وسطه مع رجلين، وإذا بهما؛ أعني: الأسودين رفعا أحد الرجلين أحدهما من عند رأسه، والآخر من عند رجليه، فرموا به من تلك الكوة التى كنا نحن عندها؛ وهى كالباب، وأخذا أيضًا الآخر ففعلا به مثل الأول. 

ثم إنه قال أحدهما للآخر: هذا الذى لم يهدر زوجه في هذا الموضع الذى أقيم فيه، تعالوا حتى ترموه، فأخذ أحدهما من عند رأسي، والآخر من عند رجلي, وأنا بينهما كالجنازة المطروحة لا أستطيع دفعهما وأنا ساكت. 

وإذا برجلٍ ضخمٍ, كبيرِ الكرش, كثِّ اللحية, كاملِ القدِّ على قدرهم في القامة, وقف وجعلني بين رجليه، وقال لهما: (اهدءوا.. اهدءوا)، هذا نحن جعلناه هنا، أو قال: نحن أقمناه, فسكتا عنه، وانصرف عني وتركاني في موضعي، فتكلَّم الذي أنقذني منهما، قال لي: أتدري مَن هذين ؟ قلت: لا، قال لي: ذلك الشيخ أبو يعزى الإيلاني، والآخر الشيخ عبد الله بن مسعود الكوثر، ثم قال لي: وأنا عرفتني؟ قلت: لا، قال: أنا عبد الله الغزواني، ثم قال لي: وهذا الموضع الذى أرادوا أن يرموك منه تدريه؟ قلت: لا، قال لي: هذا التعليم للطلبة، وتأديب الصبيان، أيُّ شيءٍ أعجلك للخروج! اجلس في مكانك حتى يكون خروجك بالإذن من الله تعالى، وذلك إذا أتى وقتك، فقمت وقد غسل الله ذلك السفر، وذهبت تلك الخواطر، فعلمت حينئذٍ أن الشيخ أبا يعزى من أهل التصريف، وأن مادته بعد مماته كحياته، فكنت أزوره في ذلك الزمان كل سنة، فوجدت له بركة. 

ومما شُوهد من كراماته في زمانه: المكاشفة, ويحكى عنه أنه ما آتاه أحدٌ إلا قال له: أنت كذا، وقصدك كذا، وجئت لكذا. 
قال أبو الصبر أيوب الفهري؛ وكان من الأئمة الثقات, أو قال: حضرت عنده إلى أن أتاه، أو قال: جاءه رجلٌ فسلّم عليه, فقال له الشيخ أبو يعزى: لمَ تَخُنْ أخاك وتأتي زوجته وهو غائب؟ فقال له الرجل: أتوب إلى الله تعالى من ذلك. 
قال أبو العباس العزفي؛ على ما حكى أبو الصبر: ومازال أبو يعزى يكاشف الواردين ويقول: سرقت كذا يا هذا، وعصيت يا هذا بكذا، وإذا بكتاب الشيخ أبي شعيب, ورد عليه من أزمور يقول له: استر عباد الله ولا تفضحهم، فقال: والله لولا أني مأمورٌ بهذا ما فضحت أحدًا، ولسترتهم وإنما قيل لي: قُلْ فَقُلْت. 

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية