آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

كتاب : المُعْزى في مناقب الشيخ أبي يَعْزى -19

ومما شُوهد من مكاشفاته وكراماته: ما ذكره الورنيدي في شرحه على النفحات القدسية، وصاحب النجم الثاقب، والعزفي: إن السلطان عبد المؤمن بن علي بعد أن صرفه عام أحد وأربعين, تواترت إليه كثرةُ الجموع، وقيل له: هذه الجموع يُخشى على الدولة منها. 

فيحكى عنه: إنه خرج بمحلته يرتحل وينـزل حتى عمل بينه وبينه نصف مرحلة، فبعث إليه ليأتيه، فأتاه راكبًا على حمارٍ، فلما لحقه كلّمه بأشياءٍ تعجب منها، ثم قال للترجمان: نريد من المكاشفة ما يكون حاضرًا حتى يشاهده بالعيان، قال: إن حماره يأكله الأسد الليلة، فقال عبد المؤمن: ائتوا له بحماره، اجعلوه في مربط خَيلنا، وباتوا الحرس يحرسون إلى أن طلع الفجر، فتفرّقوا، وإذا بالأسد قد افترس الحمار، وبقي هناك رابضًا، فلما طلع النهار؛ عرف بذلك الخليفة، فأمر أن يعرِّف الشيخ به، فعرف فقال: أريد أن أقف عليه، فسار حتى وقف عليه والسبع رابضٌ، فتقدَّم إليه، فضربه بعصاه ضربةً فخرَّ ميّتًا، فنقل ذلك للخليفة فقال لجلسائه: اعتبروا بهذه القصة، وإن كانت عجبًا، فإنه ما ضربها لكم إلا مثلاً، وجعلها لكم تأديبًا؛ كأنه يقول لكم: أنا ربُّ الدابة، فقتلها الأسد فسلطت عليه فقتلته، وأنا عبدُ ربي إليه، فإن قتلتموني غضب لي سيدي، فيفعل ذلك بكم أو أشد منه لمن قتلني. 

قال أبو العباس العزفي: هذا منه اعتبارٌ عجيبٌ، وخاطرٌ من الفراسة مصيبٌ. 

قال الإمام الغبريني في عنوان الدراية: قال الشيخ أبو مدين: ما رأيت أعجب من أخبار أبي يعزى! وينبغي أن تُكتب بالذهب. 

قال أبو العباس العزفي: قال أبو الصبر أيوب بن عبد الله الفهري السبتي: إذ كان من تلامذته كنت أصلي بأبي يعزى التراويح في رمضان، فإذا كان آخر الليل خرج أصحابنا ينظرون الفجر المرة بعد المرة، والشيخ جالسٌ في ركن المسجد واضع رأسه في طوقه وهو يقول باللسان الزناتي: (وإن يفوا.. وإن يفوا)، فإذا طلع الفجر رفع رأسه من طوقه ويقول: (يفوا بعد الحال)؛ ومعناه بالعربية: مازال ما أصبح الصبح فإذا طلع الفجر يقول: صبح الصبح، قال: فيخرج أصحابنا، فيجدون الفجر لاشك فيه ولا ريب. 

ويحكى عن بعضهم: إنه ظنَّ أن هناك شقّ أو كوّة ينظر منها، فنظروا فلم يجدوا هناك شيئًا، فسُئل عن ذلك؟. 

فقال لهم: إن مولاي عادتي معه يعلمني بالفجر إذا طلع منذ زمان أو كلامًا هذا معناه. قال أبو العباس العزفي: وشهد هذا منه بعض الفضلاء, فقال: إن سيدي أبي يعزى صديق ولا ينكر هذا من الصديقين، ألم تسمعوا إلى قول النبى صلى الله عليه وسلم : «إِذَا طَلَعَ الْفَجرُ هَبّتْ رِيحٌ مِنْ تَحْتِ الْعَرش». أو قال: «من سَاق العرشَ أَطْيَب رَائِحة مِنَ الْمِسْك, فَلا يَجِدُ رِيحها إلا نَبّي أو صدِّيق» قلت: والشيء بالشيء يُذكر. 

حدّثني ثقةٌ من أصحاب سيدي أبي عثمان رحمه الله تعالى قال: غاب مؤذن مسجده، فجعلني مؤذنًا فكنت أُؤذن وأدخل المسجد وأشتغل بقراءتي، فإذا طلع الفجر أشم رائحةً عجيبةً لا توجد، فأسمع هاتفَ الفجرِ طلع، فأخرج في الحين فأجد الفجر قد طلع ومازلت على ذلك حتى جاء المؤذن وما ذلك على الله بعزيز. وحكى العزفي وصاحب النجم وابن الزيات: إن أبا الحسن بن الصايغ قال: خرجنا لزيارة الشيخ أبي يعزى، فلما كان الغروب خرجنا لنتوضأ، وبعدنا عن القرية، وإذا بالأسد حال بيننا وبين القرية، فقيل ذلك لأبي يعزى، فخرج بعصاه واشتغل يضرب في الأسد حتى أبعده، فلما لحقناه اشتغل يأكل عيون الدفلا، فقال للترجمان: إذا كان لا يحسن العربية إلا القليل منها ما تقول؛ أنتم معشر الفقهاء فيمن يأكل عيون الدفلا، قلت له: قل له الذى يأكل الدفلا يطرد الأسد عن أصحابه، فقالها له، فرأيته يبتسم. 

وقال أبو العباس العزفي: أما أكل الشيخ أبي يعزى لعيون الدفلا؛ فهو مما شاهده الجمُّ الغفير منه، والعدد الكثير. 

قال أبو الحسن بن الصايغ: وقد ناولنى عيون الدفلا، قال لي: كُلْها فأكلتها فوجدتها في غاية ما يكون من الحلاوة؛ فهى من أكبر كرامات الشيخ رضي الله عنه في خرق العوائد، وانقلاب الأعيان الشاهدة بعظيم بالبرهان على ولاية هذا الإمام رضي الله عنه. 

ومن جملة مكاشفاته رضي الله عنه : إنكاره على المصلين بغير وضوء، ويحكى عنه أنه قيل له: بماذا تعرف هؤلاء المصلين بغير وضوء؟ فقال: أشم منهم رائحة كرائحة الكلاب، ورأيت من ينظر تارك الصلاة فيرى على وجهه دخان ودكنة، فيعلم أنه غير مصلي، وإن كان أبيضًا، ويرى المصلي عليه إشراقٌ ونورٌ، وإن كان أسود، وما ذلك على الله بعزيز. 

وفي كتاب التعريف فيما نقله صاحب النجم وغيره: إن الشيخ أبا يعزى لما استقر بزاويته، وقصده الناس بالزيارة من الآفاق، كان يطعمهم أطيب الطعام والعسل، ولحوم الضأن، والدجاج، والفواكه الطيبة، ولا يأكل هو شيئًا من ذلك؛ لأنه كان لا يشارك الناس في معاشهم كما قدمنا في باب مجاهدته. 

قال صاحب التشوف: حدثني أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد، سمعت أبا محمد عبد الله بن عثمان يقول: ذهبت إلى زيارة الشيخ أبي يعزى مع صاحبٍ لي من أهل فاس، فدخلنا في بيتٍ اجتمع فيه الواصلون إليه، والوفود الذين وردوا عليه إلى أن جاءنا الشيخ أبو يعزى، فرأينا رجلاً أسودًا طويلاً، فأنكبَّ على رؤوس زائريه يقبِّلها واحدٌ بعد واحدٍ، فقال لي صاحبي: هذا أسودٌ حاذقٌ، فقلت له: تحفَّظْ ولا تتكلَّم في وليٍّ من الأولياء، ولم يسمع أحدٌ هذا الكلام غيري. 

ولما انتهى أبو يعزى إلينا قبَّل رأسي، ولم يقّبل رأس صاحبي؛ بل مسح بيده على صدره، ثم قال: أمّا هذا فلن أقبِّل رأسه، حتى يذهب من قلبه الذى فيه، أو قال: ما فيه، فتعجّب صاحبي من ذلك، وقال لي: تُبتُ إلى الله تعالى مما كتمت في ضميري ولا أعود، فأمر لنا الشيخ أن نكون في بيتٍ ننفرد فيه عن الناس، وقال لنا: أنتم لا تُحملون أن تكونوا مع الجموع، فحملنا إلى بيتٍ نظيفٍ خالٍ، فانفردنا فيه، فأتي بعضُ خدمته بطعامِ الشعير وعليه الخبيز في صحفة، فقال لي صاحبي: ما سقتنا إلا لنأكل من بقولِ الأرض والبراري، فقلت له: ألم تتب إلى الله من أمثال هذا؟! وإذا نحن بالشيخ أبي يعزى قد أقبل إلينا بطبقٍ فيه رغيفان من البُر، أو قال: رغائف البُر وصحفة فيها لحم مشوي من لحوم الضأن، فقال لي: قل لصاحبك هذا لو أقام عندي شهرًا ما أطعمه إلا هذا الطعام، فعلى ما يلومك، وإنما خلط الخديم بذلك الطعام قبل أن آمره بما يأتيكم به من الطعام. 

فاشتد عجب صاحبي من ذلك فقال لي: والله لا عُدت إلى مثل ذلك أبدًا.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق