آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل -34

الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل -34

الباب الثالث والثلاثون في أم الكتاب


أمّ الكتاب فكنهه في ذاته ..... هي نقطة منها انتشاء صفاته
هي كالدواة لأحرف تبدو على ..... ورق الوجود بحكم ترتيباته
والمهملات من الحروف إشارة ..... فيما تعلّق بالقديم بذاته
والمعجمات عبارة عن حادث ..... من أنه طار على نقطاته
ومتى تركبت الحروف فإنها ..... كلم وتلكم محض مخلوقاته

اعلم أن أم الكتاب عبارة عن ماهية كنه الذات المعبر عنها من بعض وجوهها بأعيان الحقائق التي لا يطلق عليها اسم ولا نعت ولا وصف ولا وجود ولا علم ولا حق ولا خلق. والكتاب هو الوجود والمطلق الذي لا عدم فيه، وكانت ماهية الكنه أم الكتاب؛ لأن الوجود مندرج فيها اندراج الحروف في الدواة، ولا يطلق على الدواة باسم شيء من أسماء الحروف سواء كانت الحروف مهملة أو معجمة، وسيأتي بيان الحروف في هذا الكتاب. فكذلك ماهية الكنه لا يطلق عليها اسم الوجود ولا اسم العدم، لأنها غير معقول، والحكم على غير المعقول بأمر محال، فلا يقال بأنها حق ولا خلق ولا غير ولا عين ولكنها عبارة عن ماهية لا تنحصر بعبارة إلاّ، وأما إطلاق عند تلك العبارة من كل وجه وهي الألوهية باعتبار، ومن وجه هي محل الأشياء ومصدر الوجود، والوجود فيها بالعقل، ولو كان العقل يقتضي أن يكون الوجود ماهية الحقائق بالقوّة كوجود النخلة في الثمر، ولكن الشهود يعطي الوجود منها بالفعل لا بالقوّة للمقتضى الذاتي الإلهي.

لكن الإجمال المطلق هو الذي حكم على العقل بأن يقول بأن الوجود ماهية الحقائق بالقوة بخلاف الشهود فأنه يعطيك الأمر المجمل مفصلاً، على أنه في نفس ذلك التفصيل يأتي على إجماله. وهذا أمر ذوقي كشفي شهودي لا يدركه العقل من حيث نظره، لكنه إذا وصل إلى ذلك المحل وتجلت عليه الأشياء قبلها وأدركها كما هي عليه، وإذا علمت أن الكتاب هو الوجود تبين لك أن الأمر الذي لا يحكم عليه بالوجود ولا بالعدم هو أم الكتاب وهو المسمى بماهية الحقائق لأنه كالذي تولد الكتاب منه، وليس للكتاب إلا وجه واحد من وجه واحد من وجهي كنه الماهية، لأن الوجود أحد طرفيها، والعدم هو الثاني، فلهذا ما قبلت العبارة بالوجود ولا بالعدم لأن ما فيها وجه من هذه الوجوه إلا وهي ضدّه.

فالكتاب الذي أنزله الحق سبحانه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم هو عبارة عن أحكام الوجود المطلق الذي هو أحد وجهي ماهية الحقائق، فمعرفة الوجود المطلق هو علم الكتاب، وقد أشار الحق إلى ذلك في قوله: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ }[يس:12]. وقوله : {وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [الأنعام:59]. وقوله : "وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا}[الإسراء:12].

وبعد أن أعلمناك أن أم الكتاب هي ماهية الكنه وظهر أن الكتاب هو الوجود المطلق.فاعلم أن الكتاب سور وآيات وكلمات وحروف، فالسور عبارة عن الصور الذاتية وهي تجليات الكمال.
ولا بد لكل صورة من معنى فارق تتميز به تلك الصورة عن غيرها، فإذن لا بد لكل صورة إلهية كمالية من شأن تتميز به تلك الصور عن غيرها، ولولا التطويل لنبهناك على كل صورة منها و سورة من كتاب الله تعالى. والآيات عبارة عن حقائق الجمع، كل آية تدل على جمع إلهي من حيث معنى مخصوص يعلم ذلك الجمع الإلهي عن مفهوم الآية المتلوة، ولا بد لكل جمع من اسم جمالي وجلالي يكون بالتجلي الإلهي في ذلك الجمع من حيث ذلك الاسم، وكانت الآیة عبارة عن الجمع لأنها صارت عبارهٔ واحدة عن كمالات شتی. وليس الجمع إلا شهود الأشياء المتفرقة بعين الواحدية الإلهية الحقية. والكلمات هي عبارة عن حقائق المخلوقات العينية، أعني المتعينة في العالم الشهادي والحروف، فالمنقوط منها عبارة عن الأعيان الثابتة في العلم الإلهي، والمهمل منها على نوعين:

النوع الأول : مهملة ليتعلق بها الحروف ولا تتعلق هي بها، وهي خمسة: الألف، والدال، والراء، والواو، واللام. الألف إشارة إلى مقتضيات كمالية وهي خمسة: الذات والحياة والعلم والقدرة والإرادة، إذ لا سبيل إلى وجود هذه الأربعة المذكورة إلا للذات، ولا سبيل إلى كمال الذات إلا بها.

والنوع الثاني : مهمل يتعلق به الحروف ويتعلق هو بها، وهي تسعة: فالإشارة إلى الإنسان الكامل لجمعه بين الخمسة الإلهية والأربعة الخلقية، وهي العناصر الأربعة مع ما تولد منها، وكانت حروف الإنسان الكامل غير منقوطة لأنه خلقها على صورته، ولكن تميزت الحقائق المطلقة الإلهية عن الحقائق المقيدة الإنسانية لاستناد الإنسان إلى موجد يوجده؛ولكن هذا الموجد فإن حكمه يستند إلى غيره، ولهذا حروفه تتعلق بالحروف، وتتعلق الحروف بها.

وقد نبهنا على حقيقة الحروف وكيفية منشئها من الألف، وكيفية منشأ الألف من النقطة في كتابنا المسمى ب "الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم" فمن شاء أن يعرف ذلك فلينظر في الكتاب المذكور۔
ولما كان حكم واجب الوجود أنه قائم بذاته غير محتاج في وجوده إلى غيره مع احتياج الكل إليه، كانت الحروف المشيرة إلى هذا المعنى من الكتاب مهملة تتعلق بها الحروف ولا تتعلق هي بحروف منها، كالألف والدال والراء والواو ولام ألف، فإن كل واحد من هذه الحروف يتعلق به جميع الحروف ولا يتعلق هو بحرف منها. ولا يقال إن لام ألف حرفان فإن الحديث النبوي قد صرّح بأن لام ألف حرف واحد فافهم.

واعلم أن الحروف ليست بكلمات لأن الأعيان الثابتة لم تدخل تحت كلمة "كن" إلا عند الإيجاد العيني.وإنما هي في أوجها وتعينها العلمي فلا يدخل عليها اسم التكوين فهي حق لا خلق، لأن الخلق عبارة عن ما دخل تحت كلمة "كن". وليست الأعيان في العلم بهذا الوصف، لكنها ملحقة بالحدوث إلحاقاً حكمیاً لما تقتضيه ذواتها من استناد وجود الحادث في نفسه إلی قدیم كان سبق بيانه في هذا الكتاب.

فالأعيان الموجودة المعبر عنها بالحروف ملحقة في العالم العلمي بالعلم الذي هو ملحق بالعالم، فهي بهذا الاعتبار الثاني قديمة وقد سبق تفصيل ذلك في باب القديم.

فإذا علمت أن الكتاب هو الوجود المطلق الجامع للحروف والآيات والسور على ما أشارت إليه حقيقة كل منها، فاعلم أن اللوح عبارة عن مقتضى التعیین من ذلك في الوجود على الترتيب الحكمي لا على المقتضى الإلهي غير المنحصر فإن ذلك لا يوجد في اللوح مثل تفصيل أحوال أهل الجنة والنار وأهل التجليات وما أشبه ذلك، ولكنه موجود في الكتاب، والكتاب كلي عام، واللوح جزئي خاص، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. والله يقول الحق وهو يهدي للصواب.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية