آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الخطاب الرّوحي في الأدب الصوفي -37

فنون الأدب الصوفي :


الشعر الصوفي وأغراضه :


أ- الشعر الصوفي:


هو لغة الوجدان، ونتاج خيال محلق، وشعور رهيف، وفكر واسع، والشعر من الشعور، وما سمت العرب الشعر شعراً إلا لأنّها شعرت به، وفطنت إليه، يقول عبد المنعم خفاجي: «الشعر الصوفي كثير وغزير غزارة النثر الصوفي ، وشعراء الصوفية كثيرون في كل عصر، ومنهم شعراء قالوا فأفاضوا ، واعتمدوا على الارتجال والبديهة فأحسنوا ، وأتوا في شعرهم بغرر المعاني ، وروائع الخيال ، وبدائع الصور ، وجميل التشبيهات ، ولطيف المجازات ».

الصلة بين التصوف والشعر :


تنبثق الصلة بي التصهوف والشعر من سعي كل منهما إلى تصور عالم أكثركمالاً من عالم الواقع، ومبعث هذا التصور هو الإحساس بفظاعة الواقع وشدة وطأته على النفس، وصبوة الروح للتماس مع الحقيقة؛ التي تعذب كياننا، ومن هذا الإحساس تنبثق حالة تسمى الإلهام عند الشعراء والتجلي أو الكشف عند الصوفية؛ وهي حالة تختلف في شدتها وقوة نفاذها بين فرد وآخر ، وفيها يكون الصوفي في حالة استغراق تبلغ أقصى مداها عند الصوفي ببلوغ حال الفناء والامتزاج بعالم الحقيقة، حيث النقاء والنور، وهذه الحال هي غاية الصوفي ومنتهى طلبه ، وكلما استطاع الشاعر أن يوغل في امتزاجه بالعالم وفهم أسراره، قارب السمو الصوفي اللامتناهي، والفرق بين الرؤيا الصوفية والرؤيا الشعرية هو في درجة تسامي كل منهما، فيغدو الصوفي شفافاً خالياً من الاعتكار، ويحظى بسعادة وأنس روحي، غير الذي يحظى به الشاعر العادي ،لاختلاف مشرب التجربة والرؤية الفكرية بينهما.

كما اتصلت التأملات اليونانية، ومنها الأفلاطونية في الجمال والإبداع الفني بالبحوث الميثافيزيقية، وقد عُد ذلك مدخلًا لامتداد هذا الجدل حول الصلة بين التجربتين الصوفية والفنية في مباحث فلسفة الجمال ، حيث تأكد هذا التداخل – من حيث الجوهر- بين التكوين الذاتي الخاص للفنان والصوفي ، وينتج عن ذلك التعالق بين التجربتين الصوفية والفنية ، ففي كلتا التجربتين يتم نقل الروح إلى قلب التجربة ، وينطلق كل منهما من الزمان إلى الأبدية ، فضلًا عن الشعور – عبر التجربة- بذروة النشوة والجذب الروحي ، واتصال كل منهما بالعاطفة الخلاقة.

ب- أغراضه : لقد تعددت أغراض الشعر الصوفي لتعدد موضوعاته، ومن تلك الأغراض نذكر :

الزهد : كان الشعر الصوفي يمثل في أول أمره تلك النزعة الزهدية؛ التي تطورت حتى غدت أكثر تعقيداً، وأغزر مادة، وأنضج فكرة، فهو بذلك يمثل تطور هذه النزعة الروحية في الإسلام، من التقشف والزهد العملي، إلى التصوف النظري المذهبي.

ومن شعراء الزهد نجد: 

عُدي بن زيد العبادي يقول :

مَن رَآنا فَلَيُحَدِّث نَفسَهُ*أَنَّهُ موفٍ عَلى قَرنِ زَوال
فَصَروفُ الدَهرِ لا تَبقى لَها*وَلِما تَأتي بِهِ صُمُّ الجِبال
لَيسَ شَيءٌ عَلى المَنونِ بِباقِ. غَيرُ وَجهِ المُسَبَّحِ الخَلّاقِ

ولبيد بن ربيعة الذي يقول :

أَرى الناسَ لا يَدرونَ ما قَدرُ أَمرِهِم*بَلى كُلُّ ذي لُبٍّ إِلى اللَهِ واسِلُ
أَلا كُلُّ شَيءٍ ما خَلا اللَهَ باطِلُ*وَكُلُّ نَعيمٍ لا مَحالَةَ زائِلُ

وأبو العتاهية الذي يقول :

الموتُ حَقٌ والدَّارُ فانِية ٌ* وكُلُّ نفسٍ تجزَى بِمَا كَسَبُتْ.
يَا لكِ منْ جيفَة ٍ معفَّنَة ٍ. أيّ امتِناعٍ لهَا إذا طُلِبَتْ.
الَّتي لَم تَزَل مُنَغَّصَةً. لا دَرَّ دَرُّ الدُنيا إِذا اِحتُلِبَت

الحب الإلهي : وينضوي تحت هذا الغرض ما اصطلح عليه الصوفية من معاني تصب كلها في المحبة الإلهية مثل الشوق والحب والعشق والفناء والبقاء ، وهو البحر الذي سبح فيه أهل العشق والوداد والعرفان من الصوفية ،وهذا الغرض هو حجر الزاوية عند شعراء الصوفية وأبرز من مثل هذا التيار :

رابعة العدوية  التي تقول :

عرَفْتُ الهَوى مُذ عَرَفْتُ هواك*وأغْلَقْتُ قَلْبى عَلىٰ مَنْ عَاداكْ
وقُمْتُ اُناجِيـكَ يا مَن تـَرىٰ*خَفايا القُلُوبِ ولَسْنا نراك
أحِبُكَ حُبَيْنِ حُبَ الهَـوىٰ*وحُبْــاً لأنَكَ أهْـل لـِذَاك
فأما الذى هُوَ حُبُ الهَوىٰ*فَشُغْلِى بذِكْرِكَ عَمَنْ سـِواكْ
وامّـا الذى أنْتَ أهلٌ لَهُ*فَلَسْتُ أرىٰ الكَوْنِ حَتىٰ أراكْ
فلا الحَمْدُ فى ذا ولا ذاكَ لي*ولكنْ لكَ الحَمْدُ فِى ذا وذاك
ياحبيب القلب مالى سواكا *** ارحم اليوم مذنبا قد أتاك -
انت سؤلى ومنيتى وسرورى ***​قد ابى القلب ان يحب سواك
ولما رأيت الحب يعظم قدره *** وما لي به حتى الممات يدان
تعشقت حب الحب دهري ولم أقل *** كفاني الذي قد نلت منه كفاني
فأبدا لي المحبوب شمس اتصاله *** أضاء بها كوني وعين جناني

الشبلي الذي يقول :

ذكـرتـك لا أنّـي نـسِـيـتُكَ لمحةً*وأيسَرُ مافي الذكرِ ذكرُ لساني
وكِدتُ بلا وَجدٍ أموتُ من الهوى*وهـام عـليَّ القـلبُ بـالخـفـقانِ
فلما أراني الوجدُ أنَّكَ حاضري*شَهِــدتُــكَ مـوجـوداً بـكـل مـكـانِ
فـخـاطـبـتُ مـوجـوداً بغير تكلم*ولاحـظـت مـعـلومـا بـغيرِ عيانِ

الغزل : يعد قاموس الشعراء العذريين البغية التي وجد فيها المتصوفة ضالتهم في التعبير عن تجربتهم الروحية، يقول أمين يوسف : ":"إذ تطلعنا القصيدة الصوفية منذ نعومة أظفارها على تبنيها أسلوب الغزل الإنساني المأثور في الشعر العربي في صورته الحسية والمعنوية متخذة ستاراً لغوياً لمعاني الحب الإلهي".

وفي هذا الصدد يقول عمر بن الفارض :

ولمّا تلاقَينا عِشاءً وضمَّنا*سواءُ سبيلَيْ دارِها وخيامي
ومِلْنَا كذا شيئاً عن الحيّ حيثُ لا*رقيبٌ ولا واشٍ بِزُورِ كَلام
فَرَشْتُ لها خدّي وِطاءً على الثّرَى*فقالت لكَ البُشْرَى بلَثْمِ لِثامي

ويقول عفيف الدين التلمساني :

وشهدت ليلى لا ترى غيرها *وجمالها قد شف من جلبابها
وطلبتها فوجدت أسباب المُنى * موصولة باليأس من أسبابها

الخمرة : إن التجربة الصوفية أساسها الذوق والوجدان، وأصحابها لهم أحوال ومقامات في طريق سلوكهم إلى الله ،فتضيق بهم العبارة وآنية اللغة ،فينزعون إلى استجلاب ألفاظ المعجم الشعري عند شعراء الخمرة العرب، ويُلبسونها رموزاً ومعا ٍن تعبر عن مواجيدهم وأحوالهم، ولا يفهم ذلك إلا من عرف طريقهم وتلمس معاني رموزهم وإشارتهم.


سَقَانِي إِلهيِ مِنْ كؤوس شَرَابِه ِ*فَأَسْكَرَنِي حَقَاً فَهِمْتُ بِسَكْرتِي
وحَكْمَنِي جِمْع الدِّنَانِ بِمَا حَوَى* وَكُلُّ مُلُوكِ الْعَالمِينَ رَعِيَّتي
وَفيِ حَانِنَا فادْخُلْ تَرَ الْكَأْسَ دَائِراً* وَمَا شَرِبَ العُشَّاقُ إِلاَّ بَقِيَّتي

ويقول أبو الحسن الششتري :

مِنْ شَرابي إِشربْ* وتَنعَّمْ بِسُكْرَك
لاَ شَرابِ الدَّوالِي* إِنَّها أرضِيَّا
خَمْرُهَا غَيْرُ خَمْرِي* خَمْرَتِي أبْدِيَّا

المدائح النبوية : كان للمدائح النبوية قديما وحديثا أثر عاطفي بالغ في نفوس قراء العربية، سواء من جهة المضمون أو من جهة المستوى الفني فيها، فهي تتحلى بسمات فنية بارزة في حسن الصياغة وقوة السبك، وتنافس شعراء المدرسة الصوفية في إبراز براعتهم في هذا الغرض تعلقاً بشمائل المصطفى صلى الله عليه وسلم وحباً في ذكر سنته وأخلاقه الشريفة، لأنّهم يرون في ذلك قربة روحية ووجدانية في طريق مسلكهم الصوفي، ومحبة في ذات المصطفى صلى الله عليه وسلم، عساهم يفوزون بالقرب والرضى المحمدي.

يقول شرف الدين البوصيري :

يا نَفْسُ دُونَكِ مَدْح أحْمَدَ إنَّهُ*مِسْكٌ تَمَسَّكَ ريحُهُ والرُّوحُ
وَنَصِيبُكِ الأوْفَى مِنَ الذِّكْرِ الذي*منه العَبيرُ لِسَامِعِيهِ يَفوحُ
إنَّ النبيَّ محمداً مِنْ رَبِّه*كَرَماً بكلِّ فضيلةٍ مَمْنُوحُ

ويقول أبو زيد عبد الرحمان بن أبي سعيد يخلفتن الفازاري الأندلسي :

نَبيٌّ عَظيمُ القَدرِ بِالحَقِّ مُرسَلُ*يُعَلُّ بِهِ مُذ كانَ طِفلاً وَيُنهَلُ
فَلِلَّهِ مِنهُ وَهوَ أَعلى وَأَكمَلُ*أَمينٌ لإِرشادِ العِبادِ مُؤَهَّلُ

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية