آخر الأخبار

جاري التحميل ...

مَن هو الشيخ سيدي حمزة بن العباس ؟


قبل وفاته بحوالي أربع سنوات كتب الشيخ سيدِي العباس وصية ووقعها أمام السلطة المحلية بمدينة السعيدية بتاريخ 13 أبريل 1968. تتناول الوصية مسألة الوراثة والخلافة على رأس الطريقة من بَعده، ويؤكد أن المأذون في خلافته من بَعده نجله الحاج حمزة رفيقه في التلمذة على يد الشيخ سيدِي بُومَدْيَن بن المْنَوَّر. فهو الوارث بلا معارضٍ ولا منازع .ولقد شهد على شهادته كبار المُقَدَّمين ووضعوا توقيعهم كذلك. يُبَشِّر صاحب الوصية بانتشار طريقته أكثر في عهد خَلَفه، وبظهور العلم والحال والصلاح فيها، وبنجاح دعوته المُعْتَمِدَة على الصدق والتمسك بالشرع. ثم إنه يوصي مريديه خاصة والمسلمين عامةً بالتمسك بمضمون الوصية معتصمين بحبل الله المتين متعاضدين سالكين الصراط المستقيم مُلْتَفِّين حول مرشدهم. كما يوصي ابنه الحاج حمزة بأن يهتدي بهدي الإسلام ويسير على ضوء تعاليمه السامية، وأن يكون ناصرا للحق ساعيا جهده في جمع كلمة المسلمين متفقدا لأحوال المريدين أنَّا كانُوا. شفوقا عطوفا عليهم محترما للعلماء ورثة الأنبياء واصلا لِقَرابَتِه.

الشيخ سيدي حمزة بن العباس في مشواره التعليمي والتربوي

منذ ولادته عام 1922 تركَّز اهتمام والده على تخريجه عالما كاملا. فأدخله الكُتَّابَ وكان أولَ مُعَلِّمٍ له عَمُّهُ سيدِي محيِي الدِّين الذي عُرِفَ بكثرة تلاوته للقرآن والصلاة على النبي صلى اللهُ عليه وسلم وقيام الليل . حَفِظَ الطفلُ حمزة القرآن في سِنِّ مبكرة وكان يأتيه إلى الكُتَّاب أحد أهل الفضل ويمسح على رأسه ثم يقول : سبحان اللهِ! مَن كان يدري أنَّ اللهََ يستخلف في أبناء بودشيش حمزة والعباس.

إقباله على العلم والتصوف

تلقى علوم عصره على يد فقهاء وعلماء الزاوية ونذكر منهم العَلَّامة الجليل سيدِي بوشتى الجامعِي والفقيه الجليل سيدِي محمد التوجكاني، والعَلَّامَة الحاج حميد الدَّرعاوي.

أما عن رحلته الروحية، وأول مايُمَيِّزها أنها تختلف عن رحلة شيخه وعن رحلة أبيه، فهذان كانا طالبين وهو كان مطلوبا، وهذان كانا مريدَين وهو كان مُرادًا.

وبالفعل يبدأ رحلته دون بحث أو معاناة، بل إن الشيخ هو الذي بحث عنه. كيف ذلك؟ بينما هو ذات يوم نازل من وجدة إلى أحفير، تَذَكَّرَ بعض أسلافه المدفونين في هذه المدينة فأراد زيارتهم. وتشاء الأقدار أن يكون الشيخ سيدي بُومَدْيَن بن المْنَوَّر  بأحفير لأن ذلك كان أولَ مكان ظهوره.

وتشاء الأقدار أيضا أن يمر أحد المريدين بالضريحِ ويرى حمزةَ وهو يترحم على أسلافه، ويُسْرِعُ المريد الخطى نحو شيخه ليحكي له عن شَاب وسيم فائق الحُسْنِ والهيبة والأناقة.

ويتحرك باطن الشيخ ليُرسل في طلب ابن صهره، ويحضر حمزة الشاب عند أفراد عائلته، لم يأت ليأخذ الطريقة وإنما أجاب الدعوة، ويلح عليه سيدِي بُومَدْيَن ليذهب معه إلى الجبل لرؤية عمته الصالحة لَالَّ خَدُّوج. ويُجيب الدعوة يجيبها في الظاهر، ولم يكن يعلم بأنها دعوة لأمر أعظم من صلة الرَّحِم.

ويمكث حمزة في ضيافة عمته وزوجها ثلاثةَ أيام وهو مُعَزَّزٌ مُكَرَّمٌ ثم ينزل إلى سهل أبيه، لتمر أيام ويأتي سيدِي بُومَدْيَن من أجل حمزة، وهو لم يأت إلى الديار منذ مُدَّة.

وبعد شهر من ولوج أبيه الطريقة يمد حمزة يده ليدخل سلك الصِّدِّيقِيَّة بدون عناء.

يأخذ العهدَ عن شيخه فيوصيه بعدم مخالطة النساء قائلًا : إن الفقيرَ إذا خالط النساءَ ينطفئ مصباحه وهو لا يشعر.

لازَمَ شيخَهُ مدة أربعة عشر سنة لم يفارقه فيها إلا في حالة النوم، تَرَقَّبَ أحواله، عرف سيرته، وكان إذا أراد إشارة تربوية حكى عن شيخه سَيِّدِي بُومَدْيَن. أَحَبَّهُ حبا في اللهِ جعله يخدمه خدمة صِدْقٍ، رافقه في رحلاته كلها حينَمَا كان الشيخ يتفقد المريدين بالمناطق الشرقية من المغرب. عُرِف التلميذ البَارُّ بكثرة ذكره لله، إذ لم يكن يَفْتُرُ عن الذِّكْرِ حتى وهو في فراش نومه. وذاق حلاوة العشق والحب، وأحبه فقراء شيخه رغم أنه أحدثهم سنًّا.

كان له  دور مهم في السماع وتحريك المشاعر. تُوفِيَ شيخه تاركًا الإذن لأبيه وله من بعده، لكنه تقلَّد أمور التربية مبكرًا في جماعة سيدِي الحاج العباس إلى أن وافاه الأجل عام 1972 ميلادي.

من وصايا الشيخ سيدِي حمزة قَدَّسَ اللهُ سره

قال شيخنا الأبرك : قلبِ مُعلَّقٌ بالشريعة وقَلْبُ الفقيرِ مُعَلَّقٌ بقلبي، فإذا زاغ الفقيرُ عن الشريعةِ انفصل قلبه عن قلبي.

ويقول : التوجه مقام من المقامات، وفَضْلٌ من اللهِ عَزَّ وجَلَّ يمُنُّ به على عباده ولكنه شيئ يحصل بالاجتهاد في الذكر، لأن الذكر هو الذي يفتح أبوابًا إلى التوجه والحضور مع اللهِ تعالا.

وقال رضي اللهُ عنه : الذاتُ التي تذكر اللهَ تعالا تكون محفوظة.

حديث الشيخ سيدِي حمزة عن سيره في الطريق.

كان سيدِي حَمْزَة إذا اشتكى لشيخه سيدِي بُومَدْيَن من تَأَخُّرِ الزيادة في المَعنَا، وتباطؤ التقدم في الوجدان يجيبه قائلا : أما أنا، ليس لَدَيَّ ما أُعطيك إياه ولا لِأَيِّ مريد. أنا لستُ إلا بَوَّابًا على حضرة اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فليسَ كل مَن أتى إلى الملك مثلا يُدخِله البَوَّاب، بل إن الدخول إلى حضرة الملك يكون بإذن الملك نفسه.

فإذا كان المريد يَتَساءل عن هذه الأمور بنوع من الحسرة على عدم بلوغ المقصود في وقت وجيز، فذلك هو حال المُنازعة أي عَدَمُ الرِّضا بالقِسْمَة. لكن سيدِي حمزة يقول بأنه تخَلَّصَ مِن حالِ المنازعة تدريجيًا، إلى أن تَمَّ له ذلك نهائيا كما سنبيِّنُه 

لقد استدعاه شيخه سيدِي بُومَدْيَن عن طريق خطاب أرسله إليه من أجل أن يلتحق به في الجبل، بينما كان المريد بِمَدَاغ. فلما وصل المريد فَرِحَ الشيخُ بقدومه عليه راجيا أن تخف عليه وطأة المرض الذي كان قد ألَمَّ به. ثم سأله الشيخ عن حالته الباطنية التي كانت تُحْرِجُه، أَيْ حال المنازعة. فأجاب بأن الحال لم يتغير لكن هناك شيء جديد وهي رؤيا رآها: رأى نفسه يتلو هذه الآية: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ.فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَا وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ .وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ.أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ.فحينما قرأ هذه الآيات اضطرب الشيخ سيدِي بُومَديَن وقام متواجدًا، وفي الأخير بَشَّرَهُ بنفي المنازعة إلى الأبد وانتفاء ضيق الصدر. وكذلك كان الأمر.

يقول سيدِي حمزة : لَمَّا توفي والدي أرسل إليَّ سيدِي أحمد بُوزيان رسالة مع العلم أنه لا يعرفني، وتحدث فيها عن أمور خاصَّةً بي وبالغة الدِّقَّة، فبشرني بأمور كثيرة تَحَقَّقْتُ منها. وختم الرسالة بملاحظة أقلقتني إذ أخبرني بالابتلاء في البدن وأوصاني بالصبر. ومرت الأيام ثم التقيتُ به في مسجد بأحفير وكان قد فقد بصره.فسلمتُ عليه وعرَّفتُهُ باسمي واسم أبي فكاد يطير فرحا، وقلتُ له بأنني أتخوف من أمور شتَّا، فأجابني بأن التخوف لا ينبغي أن يكون مِن مثلي. وأخذ جناح السلهام وأداره على جسده وأقسَمَ باللهِ وقال :  لن يخاف مَن دَخَلَ تحت هذا الجناح في الدنيا والآخرة.

توفي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَجْرَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ 19رَبيع الآخر 1438م 18  يناير 2017 بمدينةوَجْدَة بعد أن حَوَّلَ طريقته من المَحَلِّيَة إلى العالَمِيَّة حَيْثُ انْطَلَقَ الشيخ سيدِي حمزة بن العباس بطريقته الصوفية من طَوْرِ المَحلية إلى الكَوْنِيَّة فأصبحت فى عهده الطريقة القادرية البودشيشية أكبر طريقة صوفية داخل المغرب وخارجه. 

رضي اللهُ عن الشيخ سيدِي حمزة وأكرم مثواه، وزادَهُ رضا على رضا ومقام على مقام، وأَلْحَقَنا به على العهد والوفاء إلى يوم الدين، وفي جنان المعرفة و بساط الشهود الذي ما بعده من شهود أو جود .وَوَفَّقَ خليفته ونجله وارث سِرِّهِ ومعتصر عِرفانه. ومتقلد لوائه ومُسْتَحِقُّ إِذْنِهِ بالحال والمقال.جميل الخُلُقِ والأعمال مع قمة التواضع والورع والصبر ولب الصفاء: الشيخ الجليل والجميل سيدِي جمال الدين بن الشيخ سيدِي حمزة القادِري بودشِيش رضي اللهُ عنه، ووَفَّقَهُ في مهمته وأَكْرَمَهُ بحفظه وعنايَتِه وأَقَرَّ عينه بِذُرِّيَتِه ومُرِيديه.
 

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية