آخر الأخبار

جاري التحميل ...

كتاب غيث المواهب العلية فى شرح الحكم العطائية


مقدمة المؤلف

 بسم الله الرحمن الرحيم.

قال العبد الفقير إلى الله تعالى، المعتمد في غفران ذنوبه على الله تعالى، محمد بن إبراهيم بن عبّاد النفري المغربي الشاذلي، لطف الله به.

الحمد لله المنفرد بالعظمة والجلال المتوحّد باستحقاق نعوت الكمال، المتنزه عن الشركاء والنظراء والأمثال، المقدّس عن سمات الحدوث في التغيير والانتقال والاتصال والانفصال، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد الهادي من الضلال، وعلى آله وأصحابه الذين خلصت لهم الأعمال، وصفت منهم الأحوال، وعلى جميع من اتبعهم في مآلهم من محامد الصفات ومحاسن الخلال، وسلم كثيرا.

أما بعد : فإنا لمّا رأينا كتاب « الحِكم » المنسوب إلى الشيخ الإمام المحقق العارف المكاشف الوليّ أبي الفضل تاج الدّين أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله الشاذلي الاسكندري رضي الله عنه ونفعنا به، من أفضل ما صنّف في علم التوحيد، وأجل ما اعتمده بالتفهم، والتحفظ كلّ سالك ومريد، لكونه صغير الجرم، وعظيم العلم، ذا عبارات رائقة، ومعان حسنة فائقة، قصد فيها إلى إيضاح طرقات العارفين والموحدين، وإبانة منهاج السالكين والمتجرّدين، أخذنا في وضع تنبيه يكون كالشرح لبعض معانيه الظاهرة، وكالكشف للمعة يسيرة من أنواره الباهرة، ولا قدرة لنا على استيفاء جميع ما اشتمل عليه الكتاب، وما تضمنه من لباب اللباب؛ لأن كلام الأولياء والعلماء منطوٍ على أسرار مصونة، وجواهر حكم مكنونة، لا يكشفها إلا هم ولا تتبين حقائقها إلا بالتلقي عنهم، ونحن في هذه الكلمات التي نوردها، والمناحي التي نعتمدها، غير مدعين لشرح كلام المؤلف، ولا أن ما نذكره فيه هو حقيقة مذاهبهم، حسبما يفعله كل مصنف، فإنا إن ادعينا ذلك كان منا إساءة أدب، يئول بنا والعياذ بالله إلى العطب. وكنا قد تعرضنا للخطر والضرر في تعاطي ما لا يليق بنا من شرح كلام السادات من أهل الله تعالى من غير خوف ولا حذر، وإنما نورد ذلك على حسب ما فهمنا من كلامهم، وما انتهى إلينا علمه من مذاهبهم، فإن وافقنا فيه حقيقة الأمر، وعثرنا على مكنون السر، كان ذلك من النعم التي لا نحصي لها شكرًا، ولا نقدُرُ لها قدرًا، وإن خالفنا ذلك، ولم نهتد إلى تلك المسالك، أحلناه على نقصنا وجهلنا، وانتقى عنا التغرير بقولنا وفعلنا، واقتصر الأمر في ذلك علينا، وكانوا هم مبرئين مما قلنا ونوينا.

فلا جَرَم إذ كان هذا مقصودنا لوجود السلامة التي جعلناها معتَمَدُنا ، ينبغي لنا أن نقدم أوّلا كلام المصنّف رحمه اللّه تعالى ، مستوففًا ، ثم نتبعه كلامنا بصيغة الخبر لا بدعوى ، ونأتي فيه بعبارة أبسط من عبارته ، وإشارة أجلى من إشارته، ليفهم بذلك ما عندنا في تفسير ما ذكره ، لا أنه تفسيره حقيقةٍ مقررة ، ونذكر في أثنائه كثيرا مما ناسب عندي من الكلام المنبّه عليه ؛ لتتم بذلك الفائدة في الغرض المتوجّه إليه ، وما ظهر لنا في كلامه من تكرار معانٍ ، وتداخل فروع ومبان رأينا التنبيه عليه كالفرض ، وأحلنا بعضه على بعض .

وعلى الناسخ لهذا المجموع أن يتّبع فيه ما رسمناه ، ويكتب نصّ كلام المصنّف يصبغ يخالف لونه لونََ ما يُكتب به سواه ، أو يكتبهما بقلمين مختلفين في الغلظ والرقة ، ويوفى في ذلك كلّا منهما حقّه ، ليكون ذلك أقرب إلى حصول المرام في استخراج فائدة ترتيب الكلام ، واللّه الموفّق لا ربّ غيره ، ولا خير إلّا خيره .

والذي حملني على وضعه ، وتكلّف تصنيفه وجمعه ، بعد تقدّم إرادة اللّه تعالى التي لا تغلب ، وتقديره الذي ليس للعبد منه ملجأ ولا مهرب ، ثم الذي رأيناه من المطالب الميمّمة ، ونبهنا عليه في صدر هذه المقدمة ، إلحاح بعض الأصحاب في ذلك عليّ ، وتردادهم بالمسألة إليّ ؛ لكونهم على اعتقاد صحيح في هذه الطريقة ، ومحبّة خالصة لأهل الحقيقة، فأسعفتهم بما طلبوه ، وحققت لهم الأمل فيما رغبوه ، كما شاء اللّه تعالى وحكم ، وقضى به علينا وحتم ، نفعنا اللّه وإيّاهم بما يجري منه على أيدينا ، ولا جعله حجّة عليهم ولا علينا ، ونحن نستغفر اللّه تعالى ممّا تعاطيناه من الأمر العظيم ، واقتحمناه من الخطر الجسيم ، ونستعيذه من الوقوع في حبائل العدوّ الرجيم .

ونسأله توفيقا يوفّقنا على جادّة الاستقامة ، ويصرفنا عن العمل بما يعقب ملامة أو ندامة ، ونرجوه مع هذا إذ منّ علينا بالانتماء إلى مذاهبهم ، والانتساب إلى كريم مناسبهم ، والتعلّق بأذيالهم ، ومحاولة النسج على منوالهم ، ورزقنا شيئا من تعظيمهم وحبّهم ، وقسطا من تكريمهم وبرّهم ، وأن لا يحرمنا من شفاعتهم ولا يخرجنا من كَنَف ولايتهم ، ولا يطردنا عن بابهم الكريم ، ولا يصرفنا عن منهجهم القويم ، فهم القوم لا يشقى بهم جليسهم، قال شيخنا أبو العباس المرسي الشاذلي :
لي سادة من عزّهم أقدامهم فوق الجباه....إن لم أكن منهم فلي في ذكرهم عزٌّ وجاه

اللهم إنّا نتوسل إليك بحبّهم ، فإنّهم أحبّوك ، ولم يحبوك حتى أحببتهم ، فبحبّك إيّاهم وصلوا إلى حبّك ، ونحن لم نصل إلى حبهم فيك إلّا بحظنا منك . فتمم لنا ذلك حتى نلقاك يا أرحم الراحمين .

وصلى اللّه على سيدنا محمد ومولانا محمد خاتم النبيين والمرسلين، وعلى آله الطيبين الطاهرين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وسلّم عليهم كثيرا.

وهذا حين أبتدئ وباللّه التوفيق والهداية إلى سواء الطريق .

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية