آخر الأخبار

جاري التحميل ...

مراتب حب الله ودرجات الاتباع

 إن المؤمن من يكون أشد حباً لله عما سواه، والمحب على قدر محبته يتبع النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى قدر إتباع المحبة يحبه الله ؛ يعني: فالإتباع ثلاث درجات، ولمحبة الله للمحب التابع على حسب الإتباع ثلاث درجات:

درجات الاتباع :

الأولى: درجة العوام المؤمنين؛ وهي متابعة أفعاله صلى الله عليه وسلم، والثانية: خواص المؤمنين؛ وهي متابعة أخلاقه صلى الله عليه وسلم.
والثالثة: أخص الخواص؛ وهي متابعة أحواله صلى الله عليه وسلم.

درجات محبة المحب :

فالأولى: محبة العوام؛ وهي مطالعة المنة من رؤية إحسان المحسن، كقوله صلى الله عليه وسلم: " جبلت القلوب على حب من أحسن إليها " ، وهذا حب يتغير بتغير الإحسان، وهو من باب الأفعال المتابع الأعمال ؛ وهم يطمعون أجراً على ما يحتملون من نتائج الحب.والثانية: محبة الخواص ؛ وهي محبة تنشأ من مطالعة شواهد الكمال عند تجلي صفات الجلال والجمال ، وهذه محبة المقربين يحبون إعظاماً وإجلالاً له ؛ لاطلاعهم على كمال جماله وعظمة صفات كماله وهذا حب التعظيم والإجلال لوجه الله تعالى، فذلك هو الباقي على الأبد لبقاء الصفات على السرمد، ويزيد بازدياد المعرفة، قالت رابعة العدوية:
أحبك حبين حب الهوى      وحباً لأنك أهل لذاك
     وهذه المحبة هي التي تبعث على إيثار الحق تعالى على غيره ، لما يتجلى له من معاني صفات في مدارج آياته ؛ وهي لنبع أخلاقه صلى الله عليه وسلم فيضبط هذا المحب في هذه الدرجة إلى إطراح ذكر غير الله عن قلبه ، متقلباً بين النظر إلى جماله مرة وإلى جلاله أخرى ، لهجاً بلسانه بذكره موقوفة أعضاؤه على تعبده إجلالاً وإعظاماً، سأعبد الله لا أرجوا توبة لكن تعبد إعظام وإجلال.

والثالثة: محبة أخص الخواص ؛ وهي غاية القصوى للعبد ولا غاية لها، وهي محبة حافظة تقطع العبارة وترفق الإشارة ولا تنتهي بالنعوت، وهذا بخلاف المحبين الأولين إذ ليست هذه منشأة عن رؤية النعم والإحسان التي من باب الأفعال ، ولا من رؤية الصفات من الجمال والجلال ؛ بل جذبة من جذبات الحق المنشأة من المحبة القديمة في سر " كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف، فخلقت الخلق؛ لأعرف " ، وأهل هذه المحبة هم: المستعدون لكمال المعرفة بسبق العناية، كما قال تعالى:
إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ }(2) ، وقد سمي الله تعالى محبته لهم في الأزل بلا علة بالحسنى منه في حقهم، وقال مخبراً عن محبته الأزلية لهم: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } (3) ، إشارة منهم إلى: إنهم ما أحبوه حتى أحبهم هو أزلاً ، فمحبتهم له لمحبته لهم، وذلك أن محبته لهم في الأزل من غير علة ، فلما استخرجهم من ظهر آدم تجلت محبته على قلوبهم، فجذبتها عنهم إليه وأفنتهم عن أنفسهم، فدخلوا الدنيا على ترك الصفة.
     وحقيقة المحبة: أن تفني المحب بسطوتها وتبقي المحبة منه بلا هو، كما أن النار تنقي الحطب بسطوتها وتبقى النار بلا هو، فإن المحبة نار لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ }(4)

 درجات محبة الله للعبد :

     اعلم: أن كل صفة من صفات الله تعالى من العلم والقدرة والإرادة وغيرها ، وإن اتفقت في أسماء صفات خلقه فلا يشبه حقيقتها أوصاف الخلق البتة ، حتى الوجود الذي يعم الخلق والمخلوق جميعاً وذلك ؛ لأن الوجود الخلق عن عدم ووجود الخالق واجب لنفسه ، ووجود كل ما سواه [مستمد] منه، ومن وفق النظر على أن ليس في الكون إلا الله وأفعاله حسنة وكأنه ليس في الوجود شيء ثابت إلا هو وحده، قرأ القارئ بين يدي الشيخ أبي سعيد بن أبي الخير - رحمه الله - قوله تعالى: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } (5)
، فقال: بحق يحبهم ؛ لأنه لا يحب إلا نفسه ؛ على معنى أن ليس في الكون إلا هو وما سواه فهو من صنعه ، والصانع إذا مدح صنعه فقد مدح نفسه فإذاً لا تتجاوز المحبة نفسه قائمة بنفسها ، وما سواه قائم به فهو لا يحب إلا نفسه ، فإذا عرفت هذا فاعلم أن محبة الله تعالى للخلق عائدة إليه حقيقة ، إلا أنه كان قمرها على الخلق فيجب تعلقها بالعام والخاص ، وأخضر أنبت لكل صنف منهم سعادة يخطى بها عند مرورها عليه، إلا أن تنتهي إلى محلها الذي صدرت منه، فيكون المحبة والمحب والمحبوب ، واحداً فصدرت المحبة عن محل " كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فمررت على فخلقت الخلق؛ لأعرف " ، فما تعلقت إلا بأهل المعرفة ؛ وهم المخصوصون بالأنعام، كما قال تعالى:فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ... }

**   **   **
1 - [آل عمران: 31]
2 - [الأنبياء: 101]
3 - [المائدة: 54]
4 - [المدثر: 28].
5 - [المائدة: 54]

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية