رب يَسِّر ولا تُعسِّر وأنت الكريم
المقدمة
في تعريف ما يحتاج إلى ذكره في هذه الرسالة من اصطلاحات أهل التحقيق.
التصوف : هو الوقوف مع الآداب الشرعية ظاهراً وباطناً، فيرى حكمها من الظاهر في الباطن، ومن الباطن في الظاهر، فيحصل من الحكمين كمال لم يكن بعده كمال .
الشريعة : هي فعل المأمورات وترك المنهيات .
الطريقة : هي تتبع أفعال النبي صلى الله عليه وسلم والعمل بها.
الطب الروحاني : هو العلم بكلمات القلوب ولغاتها وأمراضها وأدوائها، وكيفية حفظ صحّتها واعتدالها.
المرشد السالك : هو الشيخ العارف بذلك الطب القادر على الإرشاد .
المراقبة : هي استدامة علم العبد باطلاع الرب عليه، في جميع أحواله.
المشاهدة : هي رؤية الحق في كل ذرّة من ذرّات الوجود مع التنزيه له عمّا لا يليق بعظمته.
الشهود : رؤية الحق بالحق.
التجلي : هو ما ينكشف لقلب السالك من أنوار الغيوب، فإن كان مبدؤه الذات من غير اعتبار صفة من الصفات سمي تجلي الذات، وأكثر الأولياء ينكرونه ويقولون : إنه لا يحصل إلا بواسطة صفة من الصفات كما مرّ، فيكون هذا من تجلي الأسماء، الذي هو قريب من تجلي الصفات، وإن كان مبدؤه صفة من الصفات، من حيث تعينها وامتيازها عن الذات، سمي تجلي الصفات وإن كان مبدؤه فعلاً من أفعاله تعالى سمي تجلي الأفعال.
فتجلي الأسماء : هو ما ينكشف لقلب السالك من أسمائه تعالى، فإذا تجلى على السالك باسم من أسمائه اصطلم السالك تحت أنوار ذلك الإسم، بحيث يصير إذا نودي للحق تبارك وتعالى بذلك الإسم أجاب ذلك السالك.
تجلي الصفات : هو ما ينكشف لقلبه من صفات الله تعالى، فإذا تجلى على السالك بصفة من صفاته وذلك بعلم فناء صفات السالك، ظهر على السالك بعض آثار تلك الصفة بفضل الله تعالى، مثل إذا تجلى الحق عليه بصفة السمع، صار يسمع نطق الجمادات وغيرها، وقس عليها غيرها من الصفات.
وتجلي الأفعال : هو ما ينكشف لقلب السالك من أفعاله تعالى، فإذا تجلى الحق تعالى على السالك بأفعاله انكشف للسالك جريان قدرة الله تعالى في الأشياء، فيرى أنه تعالى هو المحرك والمسكّن شهوداً حالياً لا يعرفه إلا أهله، وهذا التجلي منزلة الأقدام فيخشى على السالك منه، لأنه ينفي الفعل عن العبد بالكلية، ولكن (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ).
واعلم أن تجلي الأفعال سابق على تجلي الصفات والأسماء، فإن ثبت السالك وأقام الحدود الشرعية على نفسه مع شهود أن المحرك والمسكّن هو الله تعالى ترقّى من هذا التجلي الخطر إلى تجلي الأسماء والصفات، وإن لم يثبت تزندق ورجع في الطريق، وهبط إلى أسفل السافلين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
الشوق : احتياج القلوب إلى لقاء المحبوب.
المحبة : هي ميل الطبع إلى الشيء لكونه لذيذاً، ومحبة السالكين ميل قلوبهم إلى جمال الحضرة الإلهية.
الحال : هو معنى يرد على القلب بلا تصنّع، ولا اجتلاب ولا اكتساب، وهو إمَّا طرب، أو حزن، أو قبض، أو بسط، أو هيبة، وغير ذلك مما يرد على قلب السالك، فإن زال عن القلب فهو المسمى حالاً، وإن صار ملكُه يسمى مقاماً.
فالأحوال مواهب والمقامات مكاسب، والأحوال تأتي من عين الجود، والمقامات تحصل ببذل المجهود.
علم اليقين : هو العلم الحاصل من الدليل العقلي.
عين اليقين : هو العلم الحاصل بالمشاهدة.
حق اليقين : هو العلم الحاصل من فناء صفات العبد، وبقاءه بالحق علماً وشهوداً وحالاً علماً فقط، فالذي يفنى من العبد على التحقيق صفاته لا ذاته.
فحينئذ لا بد من بقاء عين العبد الفاني، فلا يفنى ذاته من ذات الحق كما يفهمه الجاهلون الذين كذبوا على الله، بل إن العبد كلما تقرب إلى الله بالعبودية وإظهار العجز والفناء عن جميع الصفات المناقضة للعبودية، وهبه الله تعالى فضلاً منه، صفات حميدة حقية، عوضاً عما أفنى منه من الصفات الذميمة الخلقية، والله تعالى هو القادر على كل شيء، والعبد هو العاجز عن كل شيء لكن متى شاء أذهب عن العبد ما فيه من الخائبات، وأمده بما يعجز عنه كل ما سوى الله تعالى.