منها : أنهم يجب عليهم أن يحصلوا من العلم ما يصح به اعتقادهم على مذهب أهل السنة والجماعة، وما يحترزون به من شبهة المبتدعة من المشبهة المعطلة، والجبرية والقدرية، والوجودية والناسخية، وسائر المذاهب الردية، من الرافضية والخارجية وغيرها، فإن القلب إذا كان مكدراً دائما بظلمة البدعة الاعتقادية، لا ينوره بنور الطاعات، فهل رأيت أو سمعتَ مبتدعاً وصلَ إلى مقام من مقامات الرجال أرباب الكمال، وكل المشايخ العارفين كانوا على مذهب أهل السنة والجماعة، موافقين مع العلماء المجتهدين، ويحصلوا أيضا بما تصح به أعمالهم على وفق الشريعة المطهرة على الوفاق بين المذاهب الأربعة، مثلا إذا كان حنفي المذهب يحتاط في وضوءه وصلاته وسائر عباداته حتى يكون موافقا على مذهب الشافعي ومالك وأحمد رحمهم الله جميعا.
فعلى مشايخ الصوفية أن يعملواعلى الجمع بين أقوال الفقهاء وإن لم يتيسر الجمع فيأخدون بالأحوط والأوقى، فالشافعي لا يعترض عليك وإن لم يتوضأ من القُلَّتَيْن، وأبي حنيفة رحمه الله لا يعترض إذا توضأت من مس الذكر والأنثى، ويحبون أصحاب المذاهب الأربعة ويدعون لجميعهم ولا يتعصبوا، وأما الرخص فلا يتبعونها. ومن حصل من العلم ما يحرص به الاعتقاد الصحيح والعمل على التصحيح فالزيادات مستغنى عنها، والأولى أن يشتغل بطاعة الله تعالى وملازمته ذكرا وتلاوة كتابه فإنه أنفع وأكثر ثواباً وأرفع للحجاب. قال الجنيد رحمة الله عليه : (العلم علمان : علم العبودية وعلم الربوبية والباقي هوس النفس). والعَجب ممن دخل في هذه الطريقة وأراد أن يصل إلى الحقيقة وقد حصل من الاصطلاحات ما يستخرج به المعاني من كلام الله وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لا يشتغل بذكر الله تعالى ومراقبته والإعراض عمّا سواه لتنصبَّ إلى قلبه مياه العلوم اللدنية التي لو عاش ألف سنة في تدريس الاصطلحات وتصنيفها لا يشم منها رائحة ولا يشاهد من آثارها وأنوارها لمعة.
عليهم أن يبالغوا في مراعات سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمحافظة على آداب المشايخ المتخدة من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم في العادات والعبادات، ويطالعوا كتب القوم في الآداب، فإن التصوف كله أدب، ولكل حال ومقام أدبٌ، وقد فصّل شيخ شيوخنا الإمام العارف المحقق الشيخ شهاب الحق والملة والدين عمر السهروردي قدس سره العزيز في كتاب : (عوارف المعارف) الآداب فليطلب من ذلك الكتاب. ولكن الاهتمام العظيم بآداب الفرائض في المساهلة، وفي أمر النوافل على الجدّ وهذا غال. فإن النوافل لا تستكمل الفرائض وقد قال الله تعالى : (ما تقرب إليّ المتقربون بمثل ما افترضت عليهم).
اعلم أنهم إذا حصلوا العلم لا يحوجهم الله تعالى إلى الكتب لتجردهم وتوكلهم على الله تعالى في أمور الرزق، ويعتمدون على كمال كرمه ورحمته فإنه ضمن وبالغ في الإيجاب على نفسه في كتابه وأقسم به عليه، فمن لم يعتمد على ضمان هذا الكريم، ومن لم يثق بجود هذا الغني الرحيم، ولم يطمئن قلبه بوعده أنّى يستقرّ الإيمان في قلبه ومن أين يحصل له معرفته تعالى.