قال الله تعالى : (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ ) .
القومةُ لله تعالى هي اليقظةُ من سِنَةِ الغفلةِ ، والنهوضُ عن ورطةِ الفترةِ ، وهي أوّّلُ ما يستنير قلب العبدِ بالحياةِ لرؤيةِ نورِ التنبيهِ ، فإنَّ الشيخ رضي الله عنه (1) لمّا ذكرً أنَّ أكثر علماءِ هذه الطائفة اتَّفقوا على أنَّ النِّهايات لا تصحُّ إلاَّ بتصحيح البِدايات ، قدَّمَ ذكرَ البدايات ، وجعله أوَّلَ مقامٍ تكلَّم عليهِ .
ولمّا كانت اليقظةُ هي أوّلُ درجَةٍ في البداياتِ ، قدّمها على جميع أبواب البدايات .
قال الشيخ رضي الله عنه : واليقظة في ثلاثة أشياء : لحظُ القلبِ إلى النعمةِ على الإياسِ من عَدِّهَا ، والوقوفُ على حدِّها ، والتفرُّغُ إلى معرفةِ المنَّةِ بِهَا ، والعِلمُ بالتَّقصيِر في حَقِّهَا .
هذه الثلاثةُ أشياء هيَ ملازمةٌ لليقظةِ ، فعبَّرَ الشيخُ بها عن اليقظةِ ، وتسميَّةُ الشيء بمَا يُلازِمُهُ فصيحٌ في كلامِ العربِ ، ومثلُ ذلك في الكتاب العزيز قوله تعالى : ( وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ) ، وتقديره واسأل أهلَ القريةِ ، فعبَّرَ بالقريةِ عن أهلِ القريةِ ، وتقدير كلام الشيخ : وأحكامُ اليقظة ثلاثة أشياء ، فأوّلها : ملاحظةُ القلبِ نعمةَ الله تعالى الظاهرةَ والباطنةَ ، قال جلَّ جلالهُ : (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) ، ثمّ صحبه الإياس من عدِّها ، أي مِن إحصاءِ عدِّهَا . قال تعالى : (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) ، وصحبهُ الإياسُ أيضًا من الوقوف على حدِّها ، لأنّ مَنْ حَدَّهَا فَقد عَدَّهَا ، وكمَا لاسَبيلَ إلى عَدِّهَا ، فكذلكَ لا سبيلَ إلَى حَدِّهَا ، فالوقوفُ على حدِّهَا مُتَعضذِّرٌ ميئوسٌ منه ، والتفرّغِ إلأى مَعْرِفةِ المِنَّةِ بهَا ، والمِنَّةُ هيَ المَوْهِبَةُ ، أي يعرفُ العبدُ أنَّ نعمَ الله عليه بغيرِ استحقاقٍ ، وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ، وكذلك العلمُ بالتَّقصيرِ في حقِّها ، أي في حقِّ شكرِها ، لأنَّ من عجَز عن إحصاءِ عدِّها عجَزَ عن شكرهَا ضرورةً .
** ** **
1 - عبد الله الأنصاري الهروي