آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية - 3

الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية - 3

ولمّا كان الأمر بحسب ما ذكره آنفاً وعَلم منك أنك لا تهتدي لمعرفة الشيخ لبُعد ما بينكما جعل لك أمارات وعلامات تدلّك عليه إن أردت الوصول إليه فقال :

والعبدُ هذا هو الحُرُّ الذي الذي حصَلتْ
لهُ الخِلافَةُ جلَّ اللهُ مُعطيهِ
أَوصَافُهُ ظهرَتْ مِنْ وَصْفِ مُبْدِعِهِ
وكلُّهُ مَظهَرٌ يُبْدِي تجَلِّهِ

الحرُّ لغةً الخالص من الرق ، وخيار كل شيء . وفي الاصطلاح : هو ما أشار إليه أبو عبد الله ّمحمد بن عبّاد فقال : "لا يسمّى حُراًّ إلا المتمحّضُ في التجريد ، المتحقّقُ في الجمع والتوحيد ، الغريب الهمّة فيما بين العبيد ، فلا مقام له ولا حال ولا صحّة ولا اعتلال ولا حلّ ولا ارتحال ، فهذا هو الذي حاز مقام الحريّة إذ لم تبق عليه منه بقيّة ، ولم يسترقُّه شيء من الآثار الكونيّة الظلمانيّّة ولا الترابيّة".

والمبدع اسم فاعل من أبدع ، والبديع في اللغة الجميل . وقيل البديع لا مثْلَ له ، يقال هذا شيء بديع إذا كان عديم المِثل ، والبديع من أسمائه تعالى وتقدّس ، قال الله العظيم :(بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) ، ومعناه المُبدع أي خالق الشيء ابتداءً ، ووزنُهُ فعيل بمعنى مفعِل .

والمظهر بفتح الهاء محل الظهور .

والتجلّي في اللغة الظهور، وفي اصطلاح القوم هو ما ينكشف للقلوب من أنوار الغيوب . وقيل التجلِّي رفعُ حجاب البشريّة .

يقول والله أعلم : إن الشيخ الذي أهله الله للاقتداء هو العبد الذي تخلصت همَّتُه من رق الأغيار ولم يبق له مع غير الله قرار، قد بدّل الله وصفه بوصفه ونعته بنعته وصار مَرساةً للتجلّيات الإلهيّة ولم يبق فيه دعية ، إن تكلّم تكلم بالله ، وإن صَمتَ صمتَ بالله ، وهذا لا يكون إلاّ لمَن دارَ دَورته في نقطة غيبِه وقطعَ هُويتَه بانطواء وجوده فتعدّدت مراكزه ، فمركزه من حيث فردانيتُهُ هو مجلى الأحدية ، ومن حيث غوْتِيتُهُ هو مجلى الواحدية ، ومركزه من حيث قُطبانيتُه هي مجلى الألوهية ، فبنور الفردانية يُدرك العلوم اللّدُنية ويشاهد الحقائق الغيبيّة ، وبنور الغوثيّة يضبط الأحكام الشرعيّة ويُقيم الحدّ على من تعدّى الحدود السنيّة ، وبنور القطبانية يُعطي لكلّ ذي حق حقَّهُ ويُوفّي لكلّ ذي قسط قسْطه ، فمرتبته عَلَتْ جميع المراتب ومنصبُه سما سائر المناصب ، وهذه هي الخلافة الكبرى والولاية العظمى .


 الحاصل أن الشيخ أهّله الحقّ لدعاء الأمّة شرطُه التخلُّصُ من نفسه وهواه والتمكُّنُ من نشر بساط آخرته وطيِّ بساط دنياه ، قد أقبل على الله بقطع علائق الدَّاريْن ، لا يريد منهما سواه ، لكمال معرفته بحقارة الوجود بالإضافة إلى وجود الحقّ المعبود ، والتخلّص من الهوى .
**   **   **
يتبع ...

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق