نفحات الطريق

يعنى الموقع بالتأصيل الشرعي للتصوف المقتبس من مشكاة نور النبوة والتعريف بمقامات وأعلام الصوفية. إلى جانب نشر كتب ورسائل عن التصوف.

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

شرح صلاة القطب ابن مشيش لابن عجيبة - 6

والتحقيق : أنّ من دخل عالَم التكوين ؛ ما ظهر من جسمه ، يسمى مُلكاً ، وما بطن من أسرارِ المعاني يسمّى ملكوتاً . وما لم يدخل عالَم التكوين من الأسرار الباقية على أصلها يسمّى جبروتاً ، ولا يفهم هذا ، إلا من دخل مقام الإحسان ، وخاض بحر المعاني ، وإلا فحسبُهُ التسليم لأربابه . واعلم أن شهود عالم الملكوت يحجب عن شهود عالَم المُلك ، وشهود عالم الجبروت يحجب عن شهود عالم الملكوت . وكل من ترقىّ إلى مقام ، غاب عمّا قبله ، إلا الرّحموت ، فيمكن شهوده من العوالم كلّها . والله تعالى أعلم.

والحاصل : أن بحر الجبروت ، فيّاضٌ بأنوار الملكوت ، وأنوار الملكوت ، أصلها القبضة النورانية المحمدية . فكل من برز من الجبروت ، فالنور المحمدي واسطة فيه ، وأصل فيه . وهذا معنى قوله :"وحيّاضُ الجَبروتِ بفيضِ أنوارِه صلى الله عليه وسلم"مُتَدَفِّقَةٌ" : أي منصبّة بقوّة . فالتدفّق . هو الانصبابُ بشدّة ، شيئاً فشيئاً ، إنه شبّه بَحرَ الجبروت بحياض مملوءة بماء الغيب . تنصبُّ إلى عالم الشهادة ، شيئاً فشيئاً ، على حسب الإرادة والمشيئة . ولمّا كان نبينا صلى الله عليه وسلم هو سببٌ في إبراز تلك الأنوار ، أضيفت إليه صلى الله عليه وسلم إضافة المسبِّب إلى السّبب . وإن كان الكل جبروتيا لاهوتيا ؛ لأن من لم يشكر الواسطة ـ لم يشكر الموسوط ، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله . فأهل الجدبِ والفناءِ يغيبون عن الواسطة ، فلا يشهدون إلا الجبروت . وأهل البقاء لكمالهم ، يشهَدون الواسطة والموسوط . ويُعطون كلَّ ذي حقّ حقّهُ ، ولا يحجبهم قرقُهم عن جمعِهم ، ولا جمعهم عن فرقهِم . نفعنا الله بهم ، وخرطنا في سِلكهم آمين . وإنما اختار التشبُّه بالحياض ، ولم يشبه البحار ، مناسبة للرياض ؛ لأنه لمّا شبّه الملكوت بالرياض ، ناسب أن يشبّه الجبروت بالحياض ، إذ لا يقوم الرياض إلا بالحياض . كما لا يقوم الملكوت ، إلاّ بالجبروت ، بل هو عنه كما تقدّم ، لكنَّ السالك يترقّى به إلى الجبروت فوجب إثباته ثم محوُهُ . الأكوان ثابتة بإثباته ، ممحوّة بأحدية ذاته ، وإلى إثبات واسطته صلى الله عليه وسلم أشار بقوله :"ولاَ شَيْئَ" من الكائنات "إلاّ وَهُوَ بهِ منُوطٌ" أي متعلّق ومتّصل اتصال المَوسوط بالواسطَة ، فكلُّ من برزَ من عالم الغيب ، فنبيّنا ومولانا محمّد صلى الله عليه وسلم واسطة فيه . كما ورد في بعض الأخبار : "لَولاَ محمّد ما خلقتُ عرشاً و كرسيّاً ، ولا سماءً ولا أرضاً ، ولا جنّةً ولا ناراً" . وفي بردة البوصيري : لولاه لم تُخرَج الدنيا من العدم
. ثم ذكر علّة تعلّق الأشياء به صلى الله عليه وسلم فقال : "إِذْ لَولاَ الواَسطَة" الذي هو نبيّنا صلى الله عليه وسلّم "لذَهبَ كَمَا قيلَ المَوْسوطُ" : أي لوَلاَ توَسُّطُه صلى الله عليه وسلّم بين الله وخلقه ؛ لذهب الموسوطُ الذي هو الكونُ . أي لبقيَ على ما كانَ عليه من العدم . فإذ تعليلة ، والموسوطة فاعل لَذهبَ . والتقدير : إنما تعلقت الأشياء به صلى الله عليه وسلم ، لأنه واسطة . ولولا الواسطة لذهب الموسوطُ كما هو قول مشهورٌ .


التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق