نفحات الطريق

يعنى الموقع بالتأصيل الشرعي للتصوف المقتبس من مشكاة نور النبوة والتعريف بمقامات وأعلام الصوفية. إلى جانب نشر كتب ورسائل عن التصوف.

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

شرح صلاة القطب ابن مشيش لابن عجيبة - 5

فأهل الرسوخ والتمكين ، يُدركون سرَّه عليه الصلاة والسلام . ولا يغيب عنهم طرفة عين . كالمُرسي وأمثالِهِ . وأهل الشُّهودِ والعِيانِ منَ السّائرين . يدركون روحَهُ عليه الصلاة والسلام . وأهل المراقبة من أهل الاستشراق يُدركون عقلَه عليه الصلاة والسلام . وأهلُ الحجاب من أهل الدليل والبرهان، إنما يُدرِكون نَفسَه ومظهرَهُ الشخصي . فيرونَه مُحَيَّزاً في صورته التي كانَ عليها صلى الله عليه وسلم في الدنيا ، مناماً أو يقظةً ، على قَدرِ فَنائهم فيه صلى الله عليه وسلم ؛ وهم على مراتب : وأما تمثيل بَعضهم له ، كالخروبي ، ومن تبعه لهذا الحديث ، بالصحابة رضي الله عنهم . فلعلَّ ذلكَ كان كان في زمانه عليه الصلاة والسلام . والله أعلم.
وقد سمعت شيخ شيخنا مولاي العربي يقول : لقيني عالمان من علماء فاس بمسجد القرويين . فقالا لي كيف يقول أبو العباس المرسي :" ما غابَ عنّي رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفَة عَيْنِ" كيف يكون ذلك ؟ فقال رضي الله عنه :قلتُ لهم :"يا هؤلاء ، أولئك السادة ، كانت أفكارهم في عالَم الملكوت ، وهو عالَم الأرواح ، وفيه أرواح الأنبياء وغَيرهم ، ولم تكن أفكارُهُم في عالَم الأشباح ، وهو عاَلمُ المُلك . قال : ثم قلت لهم : وهل تدرون أين هو عالَمُ الأرواح ؟ ، عالَم الأرواح هو حيث عالم الأشباح ، ثم قمت عنهم".
قلت : الآن المحل واحد ، وإنما تختلف النظرة ، فأهل البصيرة لا يروْنَ إلا الملكوت ؛ وهو عالم الأرواح ، وأهلُ البصر ، لا يرونَ إلا المُلْك وهو عالَمُ الأشباح . وقد أشار إلى ذلك الشيخ بقوله : "فرِيَاضُ" جَمع رَوْضٍ ؛ وهو محلّ النّزهة ، لاشتماله على نُوّارٍ وأزهارٍ ، ومياه وخُضرة . "المَلَكُوتِ" هو في اصطلاح الصوفيّة ، ما يُدرَكُ بالبَصيرة والعلم . كما أنّ المُلك ما يُدركُ بالبصر والوهم . أو تقول الملكوت : مَدرَكُ أهل الجَمع . والمُلكُ : مَدرَكُ أهل الفرقِ . أو تقول : المُلكُ ما ظهرَ . والملَكوت ما بَطَنَ . فالمَلكوت : مَدرَك أهل الشهود والعيان . والمُلكُ : مَدرَكُ أهل الدّليل والبرهان . "بِزَهْرِ"جمْع زَهرَة ؛ وهي النّوار التي تُفتحُ في زمان الربيع . "جَمَالِهِ" صلى الله عليه وسلّم "مُونِقَةٌ" أي معجبَة ، ورياض الملكوت ، من إضافة المشبَّه به للمشبَّهِ . شبَّهَ الملكوت الذي هو محلُّ نزهةِ العارفين برِياضٍ مشتملةٍ على أزهارٍ ونوّارٍ وخُضرةٍ وجمالٍ ، لا يتمُّ جمالُها ، ولا يظهرُ نوارها إلاّ بالتباع الشريعة المحمديّة . وإلا كانت حقيقة ظلمانية ، فالكَون الذي هو الملك كلّه ظلمة . وإنما أناره ظهور الحق فيه . فصار كلُّه نوراً . ومن لم يَدرك نور الحقّ فيه ، صار في حقّه ظلمة   . وكان مَلْكاً. ولا يمكن أن يظهر الحق فيه إلاّ بالسلوك على الشريعة المحمديّة على يد شيخ عارف بدقائقها وأسرارها وحقائقها الظاهرة والباطنة. وإلا بقي مع ظُلمة الأكوان ، وسجن الأوهام . "وَحِيَاضُ" جَمع حَوْضٍ ؛ وهو محلُّ اجتماع الماءِ كالصهريج . "الجَبَرُوتِ" : وهو ما يُدرَكُ بالعقلِ والفهمِ ، أو بالبصيرةِ والعلمِ . لكن في ثاني حالٍ ، أي بعد معرفة الملكوت . 

والحاصلُ : أنّ المُلكَ والمَلكوتَ والجبروتَ محلّها واحدٌ ؛ وهو الوجود الأصلي ؛ والفرعي ، لكن تختلف التسمية باختلاف النظرة . وتختلف النظرة باختلاف الترقِّي في المعرفة . فمن نظرَ الكون ورآهُ كوناً مستقلاًّ بنفسِه قائماً بقدرة الله . ولم يُكشَف له عن 

رُؤية صانعه فيه ، سُمّيَ في حقِّه مُلْكاً ؛ لظهور تصرُّف القُدرة فيه ، ووجوده ؛ وهما لا حقيقة لهما عند المحقِّقين . ولذلك لم يُدرِكْهُ الشيخ رضي الله عنه . وكان صاحب هذه الرُؤية محجوباً لوقوفِه مع الوَهم ، ومن فتح الله بصيرَته ، ونفذَ إلى شهودِ المُكوِّن في الكون ، أو قبلَه ، سُمّيَ في حقِّه مَلكوتاً . وكان صاحب هذه الرَّؤية عارفاً مفتوحاً عليهِ . فإذا نفذت بصيرَتُه إلى شهود أصْل الأُصول والفُروع ؛ وهي العظمة الأزلية اللطيفة ، قبل أن تتجلّى وتُعرف . سُمّي ذلك جبروتاً ، ومن نظرَ إلى نفوذ الرَّحمة السابقة ، في الأشياء كلّها ، وهي نعمة الإيجاد ونعمة الإمداد ، سُمي ذلك رَحَمُوتاً . فصارت العوالم أربعة : مُلكاً وملكوتاً ، وجبروتاً ، ورَحَمُوتاً .
والعَوالمُ إن حقيقتها خمسة : ملكاً وملكوتاً ، وجبروتاً ، ولاهوتاً ، ورَحَموتاً . بإضافة الفروع إلى الأصول .


التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق