آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

ضرورة الصحبة للمريد الطالب الوصول والقرب إلى ربّ العالمين

ضرورة الصحبة للمريد الطالب الوصول والقرب إلى ربّ العالمين

إذَا بدَا ذُكِرَ المَوْلَى بِرُؤْيَتِه 
وفاز بالسَّعْدِ والتَّقْريبِ رَائِيهِ
عَبْدٌ عَلَيْهِ سِمَاهُ العِزِّ لاَئِحَةٌ 
وَخِلْعَةُ العِزِّ وَالتَّحْكِيمِ عَالِيَةِ

   ألفاظ النظم في غاية الوضوح ، وأمّا المعنى فلا بدّ من تقرير مُفصّل . وحاصله أن الشيوخ كما قال زروق ثلاثة:
– " شيخ تعليم ، وشروطه ثلاثة : تحصيل عقد الباب المتكلم عليها ، والقدرة على الإلقاء بلا تقصير ، والإنصاف في الرد والقبول.
– وشيخ تربية ، وشروطه ثلاثة : علم المعاملة ظاهراً وباطناً ، والبصيرة النافذة ، والتجربة الحاصلة.
– وشيخ ترقية ، وشروطه ثلاثة : البصيرة النافذة ، والنور التام ، والهمّة العالية.
فبالبصيرة يميّز، وبالنور يمدّ، وبالهمّة يرفع ويحط، كما الذي قبله بالعلم يربي، وبالبصيرة يوقع، وبالتجربة يحقق، كما الذي قبله بالتحصيل يفيد، وبالعبارة يوصل، وبالإنصاف يحقق " .

   فإذا تقرّر هذا في ذهنك علمت أن المؤلف أشار بالبيتين إلى شيخ الهمّة الترقية الذي لا غناء لكل واجد عنه ولا بدّ لطالب الحقيقة الأصلية منه .
وما أشار إليه المؤلف مثله في العوارف. قال فيها: "إنّ نظر العلماء الراسخين والرجال البالغين ترياق نافع ، ينظر أحدهم إلى الرجل الصادق فيستشف بنفوذ بصيرته حسن استعداد الصادق واستيهاله مواهب الله تعالى الخاصة ، فيقع في قلبه محبة الصادق المريد وينظر إليه نظرة محبّة عن بصيرة ، وهم من جنود الله تعالى، فيكسبون بنظرهم أحوالا سنية ويهبون آثاراً مرضية وما ذا ينكر المنكرُ من من قُدرة الله ، إن الله سبحانه وتعالى كما جعل في بعض الأفاعى من الخاصية أنه إذا نظر إلى الإنسان يهلكه بنظره قادرٌ بأن يجعل فى بعض خواض عباده أنه إذا نظر إلى طالب صادق يكسبه حالاً وحياةً .قال وكان شيخنا يطوف في مسجد الخَيْف بمنىً فقيل له في ذلك فقال : لله عبادٌإذا نظروا إلى الشخص أكسبوه سعادةً ، فأنا أطلب ذلك " .وإلى جميع هذا الإشارة يقول صلى الله عليه وسلم: "إن لله عباداً من نظر إليهم نظرة سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا". 

   وقال أنس رضي الله عنه: "ما نفضنا التراب عن أيدينا من دفنه صلى الله عليه وسلم حتى وجدنا النقص في قلوبنا " . قال زروق : "أبان أن رؤية شخصه الكريم كانت نافعة لهم في قلوبهم، إذ مَنْ تحقق بحالة لم يخلُ حاضروه منها، فلذلك أمر بصحبة الصالحين، ونهى عن صحبة الفاسقين" .

إنْ كُنْتَ تَقْصِدُ أَنْ تَحْظَى بِصُحْبَتِهِ 
فَاسْلُكْ عَلَى سَنَن طَابَتْ مَسَاعِيهِ 

   الصحبة في الاصطلاح مَيْلُكَ إلى الشيء بأحد الجنوب الأربعة ، إذ قال تعالى :(وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ) النساء : 36) بخلاف المحبّة فإنّ حبّك للشيء مَيءلُك إليه بالكلية ، إذ قال تعالى :(يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّنَهُ) المائدة : 54) فعلى هجا المحبة أخص من الصحبة ، فكل حبيب صاحب ولا عكس . وأمّا في اللغة فالصاحب هو الملائم بالطبع تارة وبالوصف أخرى  ، وانظر تصريف اللفظ في الجوهري .
والسلوك المرور.
والسَّنَن الطريق.

   يقول والله أعلم : إن كنت أيها المريد الطالب الوصول والقرب إلى ربّ الأرباب ظفرت بالشيخ الذي تقدّمت أوصافه ، فاسلك طريقاً طابت مساعيه ومسالكُه اجتناب المنهي عنه وارتكاب المأموربه شرعاً من قول أو فعل أو خلق باذلا مجهودك في مرضات ربك مع الحث والترغيب في ذلك ، واقفاً في كل شيء على حدود العلم من غير تأويل ، فإذا أحكمت هذه الأمور، وأقمت موازين التوبة والاستقامة والإقامة والتقويم على نفسك ، وأسّست بنيانه على الصدق، صحّت منك إرادة الصحية للشيخ ، فإذا صحّت إرادتك فالواجب عليك أن تتأدّب بما سيذكره قريباً . واعلم أيدك الله أنّ الإنسان مخلوق من الفطرة الكونية الطينية الظلمانية وشأنها الانهماك فيما يقتضيه وصف هذه الفطرة من الخوض فى رعونات النفس وظلمتها لكثافة الحجاب المؤذِن بعدم الاهتمداء إلى منار الصواب ، ومراد الله من إيجاد هذه الممكنات عبادته، ﴿ وَمَا خلقت الجن والإنس إلا ليَعْبُدُون ) [الذاريات، 56]. لكن لمّا علم منا سبحانه تبارك وتعالى جِبِلِّيَة الجهل به وانطباعه فى مرآتنا لغلبة صدى هذه النشأة العينية بعث فينا رسولأ اختصَّهُ بقربه وواجهه بفيض قدسه يعلمنا مراد الله منَّا حتى لا نقف مع ما يقتضيه الهوى الذي هو النفس رحمةٌ منه إلينا ، لأنه ما أراد سبحانه بإيجاد هذه الأعيان الثابتة إلا رحمتها ، ولذلك خصّ الاستواء بلفظ الرحمان كما قال الحاتمي في الفتوحات .

   ثم لمّا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقي أهل الوراثة المحمدية وهم العلماء بالله كما ورد في الخبر :" علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل"، وهذا الخبر إن لم يثبت رواية فقد ثبت معنى . فوجب على الإنسان المصيرُ إليهم والركون إلى حصنهم لأجل خروجه من هذه الورطة المتقدّمة وتحققه بحقيقته الأصلية ، لأنه مرساة للتجليات الإلهية القهرية ، الخارجة من الخزائن الجّودية الصمدية تنذره بالانزعاج إلى الحضارة الإلهية ، وهي أسباب الدهش والحيرة عن صوب الطريق والعدول عن التحقيق ، لكن من أراد الله به خيراً قاده إلى عالم من علماءه بالأسرار الإلهية الحق ولازمه وصحبه حتى يُخرجه من مراتبه الوجودية ويحقّقه بالأسرار الإلهية . وصحبة هذا العالِم لا غنى لأحد عنها لأن السير في هذا الطريق شديدٌ ، لأنه طريق عويصٌ ، وأدنى زوال يفضي إلى الشتات عن المقصود.
قال الششتري  : "ولا بدّ أن يتحكم لمن يأمره وينهاه ويبصره ، فإن الطريق عويص قليل خطاره كثير قطاعه".

   فإذا فهمت هذه النبذة من الكلام علمت جملة ما أشار إليه أهل الله من أنه لا بدّ من الشيخ المربي لكل واحد وإن بلغ ما بلغ من العقل ووفور العلم ، فإنه لا يكمل إلا بصحبة المربّي الذي قيل فيه :"لولا المُرَبّي ما عرفتُ رَبّي" .
قال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه: "كل من لا يكون له في هذا الطريق شيخ لا يُفرح به ، ولو كان وافر العقل منقاد النفس واقتصر على ما يلقي إليه شيخ التعليم فقط ، فلا يكمل كمال من تقيّد بالشيخ المربي لأن النفس أبداً كثيفة الحجاب عظيمة الإشراك". فلا بدّ من بقاء شيء من الرعونات فيها ولا يزول عنها ذلك بالكلية إلا بالانقياد للغير والدخول تحت الجُكم والقهر حسبما ذكره ابن عبّاد رحمه الله .

   ثم اعلم أن المقصود الكلي هو الصحبة ، وبالصحبة يُرجى للمريد كل خير وفوائدها كثيرة . وقد أشار إليها الغزالي في باب العزلة ، منها : تعلم العلم وتعليمه والنفع والانتفاع والتأدّب والتأديب بواسطة التجريب والإيناس والاستئناس وغير ذلك مما ذكروه . قال العارف بالله سيدي محمد البوزيدي" نفعنا الله به: "واعلم أن في صحبة هؤلاء القوم فوائد وخرق العوائد لا يمكن التعبير عنها باللسان ، وإن لم يبلغ صاحبهم مبالغهم فإن صاحبة القوم لهم كصحبة الناس للعطار إن لم تنفق من حانوته تذهب وفيك رائحته  ، وكصحبة الناس للبحر إن لم يأخذوا منه الحوت والجواهر واليواقيت يأخذوا منه طهارة الثياب والبدَن . وكذلك لا يخلو صاحبهم من أمرين : إما استقامة الظاهر وإمّا استقامة الظاهر والباطن معاً. وقد قال شيخنا مولانا العربي بن مولانا أحمد الدرقاوي الشريف الحسنى رضى الله عنه: الرجل ينتسب إلينا ولا يأخذ النصيب من هذا لايسمع علينا". وقال سيدي عبد الله الهبطي" رضي الله عنه: أقلّ ما يستفيده من عرفنا معرفة الحق من الباطل". ويا لها من رتبة لمن رُزقها لأنهم كما قال مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم "هم القوم لا يشقى جليسهم". ولا يشقى إلا إذا كان كافراً بهم ، وقد كانوا يرون النبي صلى الله عليه وسلم ولا يزيدهم ذلك إلا بعداً وطرداً ، وأما من آمن به لا يشقى وإن لم يره ، والإيمان به الحقيقي هي الرؤية الحقيقية ، ولا شك أن من رآه اتبعه ومن اتبعه هو الذي ظهرت فيه أحواله وأقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم .
وبالجملة فالصحبة في هذا الطريق أمر خطير آكد .

   وقد حُكي أن شيخ شيخنا مولانا العربي الدرقاوي رضي الله عنه أتاه رجل من أهل العلم الظاهر وكان معظّماً عند أهل فاس فلمّا جلس بين يديه قال له : "هل التجريد شرط في طريقتكم ؟" قال له: "إسقاط المنزلة عندنا شرط في الطريق". ثم ذهب ذلك الرجل وبعد أيام قال الشيخ المذكور : "لو عاد إلينا فلان وسألنا عما تقدّم لقلنا له : الصحبة شرط فقط". وهذا يدل على وسع علم مولانا العربي رضي الله عنه ، إذ الإضافة والمجاورة لها الأثر كما لا يخفى . ولذلك قال لقمان الحكيم لولده : "يا بني عليك بصحبة من أطاع  ، فإنّ الطباع تسرق الطباع".
وقالوا في النوابغ : "مع من تكن ، بحاله تكن".
وقال صلى الله عليه وسلم : "المرء على دين خليله".
وقال ابن عطاء الله : "لا تصحب مَن لا ينهضك حاله ولا يدلك على الله مقاله".

الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق