آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

التيسير في التفسير للقشيري (17)

وقال بعضهم : الاختلاف الواقع في القرآن يجمعه سبعة أوجه :

منها ما يكون بتغيّر اللفظ، ومنها ما يكون التغير بلواحقها، وهي من ستة أوجه :

الجمع والتوحيد والتذكير والتأنيث والتصريف والإعراب، واختلاف الأدوات واختلاف اللغات فأمّا التغيُّر فيما يَلحَق نفس الحرف ويزيلها إلى لفظة أخرى كقوله : {وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا}. 

والوجه الأول : من الوجوه الستة الجمع والتوحيد كقوله : {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ}[التحريم : 12]  وكقوله : {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} [الأنبياء : 104] .

والوجه الثاني : وهو التذكير والتأنيث : كقوله : {صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ} [الأنبياء : 80] بالتاء المعجمة من فوقها و {ليُحصِنكُم} بالياء.

والوجه الثالث : وهو التصرُّف كقوله : {وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ} [الحجر : 56] بفتح النون و{يقنِط} بكسرها.

والوجه الرابع : وهو الإعراب كقوله : {ذو العرش المجيدِ} [البروج : 15] و {المجيدُ] برفعها.

والوجه الخامس : وهو اختلاف الأدوات كقوله : {وَلَكِنَّ الشَّياطينَ} [البقرة : 102] بتشديد النّون و {لكن} بتخفيفها، وكقوله : {لَما علَيْهَا حَافِظ} و {لَمَّا} بالتخفيف والتشديد. 

والوجه السادس : هو اختلاف اللغة كقوله : {وَالصَّابِئُونَ} [المائدة : 69] و{الصابون} بالهمزة وإسكانها، وكقوله : {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس : 1] بالإمالة والتفخيم. فأما ما روى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (كان الكتاب الأوَّل نَزَلَ من بابٍ واحدٍ، ونزل القرآن من سبعةِ أبوابٍ على سبعةِ أحرف).

قيل أراد بالكتاب الأوَّل صحفَ إبراهيم لم يكن فيها غيرُ الدُّعاء وتوحيدُ الله وخلعُ الأنداد يدل عليه قوله : {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ} [الأنعام : 79] وقال : {فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [البقرة : 132].

وقيل : أراد به زَبُور داوود لأنه تذكيرٌ ومواعظُ ليس فيه غيرُهُ، وقيل أراد به الإنجيلَ لأنّه أوّلُ {هذه الكتب}، وإنّما هو تمجيدٌ ومحامدُ وحضٌّ على الصَّفح والإعراضِ دون غيرها من الأحكانِ والشّرائع.

وقوله : (ونزل القرآن من سبعةِ أبوابٍ على سبعةِ أحرف) قد مضى معنى الحرف.

فأمّا قوله من سبعة أبواب فهو ما تضمَّنه الخبرُ من قوله : (زجرٌ وأمرٌ، وفي رواية أخرى زاجرٌ وآمرٌ وحلالٌ وحرامٌ ومحكمٌ ومتشابهٌ وأمثال).
ويكون معناه أيضا أنّ أهلَ الكتاب الأوّل كانوا يستوجبونَ الجنّة بوجهٍ واحدٍ إذا فعلوا ما في كتابهم، وهذه الأمّة لها سبعة أوجهٍ تُدركُ بها رضا الله وجنّته فإذا قام بأمر الله وانتهى عما نهى الله وأحلَّ ما حلّله وحرَّم ما حرَّمه وآمن بمحكمه وسلَّم لمتشابهه واعتبر بأمثاله فقد اسوجبَ بكلِّ خصلةٍ منها باباً من أبواب الجنة. وقيل تلك الوجوه التي يستوجب بها أبوابَ الجنة اشتمالُ الكتاب على التوحيد وصدق الرسالة وأمره ونهيه ووعده ووعيده وإخباره عما كان ويكون وأمثاله المضروبة فيه وتقريعه وتبكيتُهُ لمن تحدّاهم بالإتيان بمثلهِ وإظهارُ عجزهم عن ذلك بقوله : {لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} [الإسراء : 88] وما أشبه فمن علِم بهذه الوجوه استحقَّ الجنة وهذه المعاني غير موجودةٍ جملةً في الكُتُب المتقدِّمة.

وأمّا قوله : (لكلِّ حرفٍ منها ظَهْرٌ وبَطْنٌ). فظهره الظّأهر من تلاوته وبطنه الباطنُ من تأويله.
وقوله : (لكل حرف حدٌّ) يعني لكل وجه من هذه الأوجه السبعة حدٌّ حدَّه الله سبحانه لا يجوز لأحد أن يتجاوزه.

وقوله : لكل حدٍّ من ذلك مُطَّلَعٌ أي لكلِّ حدٍّ حدَّهُ في كتابه من الحلال والحرام والشرائع والأحكام مقدارٌ من الثواب والعقاب علّقه على فعله وتركِه يُعايِنُهُ صاحبُه في الآخرة ويطَّلع عليه ويلاقيه في القيامة كما قال عمر بن الخطاب : (لو أنّ لي ملأُ الأرض من صفراءَ أو بيضاءَ لافتديتُ به من هولِ المطَّلَع). يعني ما يَطَّلِعُ عليه ويَهْجُمُ عليه من أمرِ الله تعالى بعدَ وفاته.

ويحتمل أن يكون قوله : (سبعةُ أحرف) أراد به سبعَ لغاتٍ هي اليوم متفرِّقة في الكتاب إنما تجتمع في الكلمة الواحدة واثنتان أو ثلاثة فصاعداً وإن لم يُوجد إلا في سبعة كقراءة من قرأ : ميسرَرة وميسُرة ويقنَط ويقنِط وزَقية وصيحة والأثيم والفاجر وما أشبهه.


التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق